غاريث بورتر*
موقع ثرو آوت الأمريكي.
الخميس 31 ديسمبر، 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
انتهت محادثات السلام بين الحكومة اليمنية المدعومة سعوديا والمتمردين الحوثيين في أواخر ديسمبر دون أي اتفاق لانهاء حملة القصف التي بدأتها المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين بدعم الولايات المتحدة في مارس الماضي. لقد كان الدافع للحرب التي شنتها السعودية على الحوثيين في اليمن هو أن الحوثيين مجرد وكلاء لإيران، والأدلة الرئيسية المزعومة وراء هذا الاستنتاج هو أن إيران قد قامت بتسليح الحوثيين على مدى سنوات.
تم تعزيز المزاعم المتعلقة بإرسال شحنات أسلحة إيرانية للحوثيين - وهي ادعاءات وردت كثيرا في التغطية الإعلامية للصراع ولكن لم يتم إثباتها - بتقرير صدر في يونيو الماضي من قبل لجنة الخبراء التي شكلها مجلس الأمن، وقد خلص التقرير إلى أن ايران أرسلت عن طريق البحر شحنات من الاسلحة الى المتمردين الحوثيين في اليمن منذ عام 2009. غير أن التحقيقات في اثنين من المزاعم الرئيسية حول شحنات الأسلحة تلك والتي قامت بها الحكومة اليمنية واستشهدت بها لجنة الخبراء قد أظهرت بفجاجة حجم الحيل والخدع التي تم تركيبها وصياغتها.
زعمت حكومة الجمهورية اليمنية، والتي كانت آنذاك تحت هيمنة الرئيس علي عبد الله صالح، أنها ضبطت سفينة تدعى ماهان1 في المياه الإقليمية اليمنية يوم 25 أكتوبر 2009 وعلى متنها طاقم من خمسة ايرانيين، وبأنها وجدت أسلحة على متن السفينة. كرر تقرير لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة الرواية الرسمية التي تقول أن السلطات قد صادرت الأسلحة و بأن المحكمة الابتدائية في صنعاء قد أدانت طاقم ماهان1 بتهمة تهريب الأسلحة من إيران إلى اليمن.
لكن تم العثور على برقية دبلوماسية من السفارة الأمريكية في اليمن صادرة عن ويكيليكس في 2010 تكشف أنه على الرغم من أن السفينة وطاقمها كانت بالفعل ايرانية، ألا أن قصة وجود أسلحة على متن السفينة كانت قصة مفتعلة من قبل الحكومة. حيث أرسلت السفارة الأمريكية في 27 أكتوبر 2009 برقية إلى وزارة الخارجية مشيرة إلى أن السفارة اليمنية في واشنطن قد أصدرت بيانا صحفيا أعلنت فيه الاستيلاء على "سفينة أجنبية تحمل كمية من الأسلحة وسلع أخرى ...." لكنها أرسلت برقية أخرى بتاريخ 11 نوفمبر 2009 تفيد بأن الحكومة قد "فشلت في إثبات مزاعمها المتهورة للعامة من أنه تم ضبط سفينة إيرانية قبالة سواحلها في 25 اكتوبر كانت تحمل مدربين عسكريين وأسلحة ومتفجرات موجهة للحوثيين".
بالإضافة لذلك، تطرقت البرقية إلى وجود "تقارير حساسة أوحت بأن السفينة لم تكن تحمل أي أسلحة على الإطلاق" في إشارة واضحة إلى تقارير المخابرات الامريكية بشأن هذه القضية.
كما ذكرت برقية تعقيبية للسفارة الأمريكية بعد خمسة أيام أن الحكومة اليمنية قد بدأت بالفعل في تعديل وتنقيح القصة في ضوء معرفة الإدارة الأمريكية وإدراكها بأنه لم يتم العثور على أسلحة على متن السفينة. وقد ورد في البرقية "على مايبدو أن السفينة كانت فارغة عندما تم ضبطها". وجاء في البرقية أنه "ومع ذلك، تكررت ادعاءات السفير اليمني (الحاج) بأن القربي وزير الخارجية اليمني كان قد أخبر بول شيف [رئيس القسم السياسي في السفارة الأميركية] في 15 نوفمبر أن حقيقة ضبط السفينة وهي فارغة يشير إلى أن الأسلحة قد تم تسليمها مسبقا."
كان الرئيس صالح يأمل، من خلال استخدام حيلة ماهان1، الحصول على الدعم السياسي من الولايات المتحدة في حربه ضد الحوثيين، والتي كان يطلق عليها "عملية الأرض المحروقة". ولكن تطرقت برقية أخرى في ديسمبر 2009، بأنه من المعروف جيدا بين المراقبين السياسيين اليمنيين أن الحوثيين يعيشون في بحر يعج بالأسلحة الحديثة ويمكنهم الحصول على كل ما يحتاجون إليه من السوق المحلية الضخمة للأسلحة أو من الجيش اليمني نفسه مباشرة.
وعلى عكس القصة الحكومية حول ماهان1 وأسلحتها الوهمية، فإن المزاعم الرسمية حول ضبط سفينة تدعى جيهان1 وعلى متنها أسلحة في 23 يناير 2013 كانت صحيحة. لكن مجمل الأدلة تبين أن قصة شحنة الأسلحة الإيرانية للحوثيين كانت كاذبة.
تم توقيف السفينة في المياه الإقليمية اليمنية بواسطة دورية مشتركة من قوات خفر السواحل اليمنية والبحرية الأمريكية، وقد أسفر التفتيش عن وجود مخبأ للأسلحة والذخيرة. وتشمل الحمولة صواريخ أرض-جو محمولة على الكتف، قذائف عيار 122 ملم، قاذفات قنابل صاروخية، متفجرات بلاستيكية نوع C-4 بالإضافة للمعدات اللازمة في تجهيز العبوات الناسفة.
بعد ذلك بأسابيع، قالت لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن التي فتشت الاسلحة على متن جيهان1 انه تم العثور على ملصقات مثبته على صناديق الذخيرة تبرز نقش "وزارة سيبه" وهو الاسم السابق لوزارة اللوجستية العسكرية الإيرانية. وذكر التقرير أن لجنة الخبراء أصرت على أن "كل المعلومات المتاحة وضعت جمهورية إيران الإسلامية في مركز عملية جيهان".
لكن، وباستثناء تلك الملصقات - والتي من الممكن أن تكون قد وضعت على الصناديق بعد استحواذ الحكومة على الأسلحة - لا يوجد شيء حول السفينة أو الأسلحة يشير بالفعل إلى إيران. ووفقا للتقرير، فإن كل طاقم السفينة ورجال الأعمال الذين رتبوا للشحنة كانوا يمنيين. ولم تقدم لجنة الخبراء أي دليل على أن السفينة كانت إيرانية أو أن الأسلحة قد تم تصنيعها في إيران.
استندت هذه القضية على شهادة أعضاء الطاقم اليمني لـجيهان1 - بالتالي لا تزال القصة تحت وصاية الحكومة - الذين قالوا انهم قد أبحروا من اليمن إلى ميناء شابهار الإيراني، من ثم تم أخذهم لميناء إيراني آخر، ثم نقلوا على متن قارب صغير إلى سفينة جيهان1 القابعة قبالة الساحل الإيراني. لكن و على الرغم من أن لجنة الخبراء قالت ان لديها إمكانية الوصول إلى "بيانات الإحداثيات واستردادها من أجهزة النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)"ً، إلا أن اللجنة لم تستشهد بأي بيانات كهذه تدعم قصة افراد الطاقم. في الحقيقة، أقرت اللجنة أنها لا تملك "أي معلومات عن الموقع الذي تم فيه تحميل جيهان بالسلاح ...."
من ناحية أخرى، فإن الحقيقة الحاسمة حول حمولة السفينة لا تشير إلى إيران بل إلى اليمن نفسها باعتبارها المكان الذي وصلته السفينة، حيث تم إخفاء الأسلحة تحت خزانات وقود الديزل في السفينة والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بعد أفراغ تلك الخزانات. وقد توصلت لجنة الخبراء إلى تلك الحقيقة لكنها فشلت في مناقشة أهميتها. غير أن تقرير مجلس الأمن في يونيو 2013 الصادر عن فريق الرصد المكلف بالرقابة على الصومال وإريتريا قد ذكر أن أعضاء طاقم السفينة جيهان1 كانوا قد "كشفوا للمصدر الدبلوماسي الذي قابلهم في عدن أن الديزل كان متجها الى الصومال". ووفقا لتقرير لفريق الأمم المتحدة المعني بالرقابة والرصد، فقد أكد مسؤول يمني لم يتم الإفصاح عن اسمه تلك الحقيقة التي أخفاها افراد الطاقم عن فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن.
حقيقة أن جيهان1 كانت متجهة للصومال تشير إلى أن السفينة كانت متورطة في عملية التهريب لدوافع تجارية وليس لدوافع سياسية. وقد أوضح تقرير فريق الرصد بشكل جلي أن التجارة المربحة في تهريب وقود الديزل من اليمن إلى الصومال مرتبطة من زمن طويل بتهريب الأسلحة إلى نفس البلد عبر خليج عدن في اليمن. وقد أوضح تقرير فريق الرصد أن منع السلطات في منطقة بونتلاند في الصومال استيراد المنتجات البترولية وتجريمها لذلك قد تسبب في كثير من الأحيان بأن يتم تهريب الأسلحة إلى الموانئ على الساحل الصومالي مخبأة تحت وقود الديزل.
وكشف تقرير فريق الرصد التابع للأمم المتحدة أيضا أن سلسلة من شحنات الأسلحة قد تم تهريبها إلى الصومال في أواخر عام 2012 - قبل أن يتم ضبط جيهان1 - حيث كانت المكونات الرئيسية لتلك الشحنات عبارة عن قاذفات القنابل الصاروخية ومكونات العبوات الناسفة والصواعق الكهربائية، وهي أيضا كانت نفس المكونات الرئيسية لشحنة الأسلحة في جيهان1. وذكر التقرير بأن المعلومات التي حصل عليها فريق الرصد من سلطات بونتلاند بالإضافة للمعلومات التي أفصحت عنها التحقيقات الخاصة بالفريق قد "وضعت اليمن كمصدر اساسي لهذه الشحنات".
الجزء الرئيسي في الأدلة التي تؤكد أن مصدر هذه الأسلحة هو اليمن كانت رسالة من الحكومة البلغارية موجهة لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة تشير إلى أن جميع القذائف الصاروخية والذخائر ذاتية الدفع التي ضبطت في الصومال قد تم تصنيعها في بلغاريا وتسليمها للقوات المسلحة اليمنية في عام 2010.
تشير المعلومات الواردة في تقرير فريق الرصد بإصبع الاتهام إلى مهربي السلاح اليمني باعتبارهم مصدر حمولة الأسلحة ووقود الديزل التي كانت على متن جيهان1. عندما تم ضبط الأسلحة من قبل دورية مشتركة بين الولايات المتحدة واليمن، قررت الحكومة اليمنية بوضوح استغلال الحادثة من خلال اختلاق قصة جديدة عن شحنة أسلحة ايرانية للحوثيين، وفيما بعد استخدمت طاقم العمل اليمني لتوفير التفاصيل للجنة خبراء مجلس الأمن.
أبرز تقرير فريق الرصد المعني بمراقبة الصومال واريتريا مشكلة واضحة في الرواية الرسمية للسفينة جيهان1، وكشف سعي الحكومة اليمنية التي ناصبت العداء ضد إيران، وكذا سعى القوى الغربية في إعطاء القصة منعطفا جديدا. حيث نقلت رويترز عن "دبلوماسي غربي" أن شحنة الأسلحة جيهان1 تأتي كدليل على أن إيران متورطة بالفعل في توريد الأسلحة إلى حركة الشباب الإرهابية في الصومال. وأشار مصدر مجهول إلى أن الشحنة قد تضمنت متفجرات نوع C-4 وهي النوع الذي تستخدمه حركة الشباب في تفجيراتها الإرهابية في الصومال، في حين لم يعرف عن الحوثيين تنفيذ مثل هذه العمليات. لكن هذا الادعاء بالكاد يمكن تصديقة، لأن حركة الشباب تربطه علاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة وبالتالي كان عدوا لإيران. لم يتم ترديد هذا التحليل إلا في وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل وتلك الموالية للسعودية.
مع ذلك، أصبحت قصة جيهان1 والرواية الواسعة عن اعتراض شحنات أسلحة إيرانية كانت في طريقها للحوثيين - والتي جرى إعادة تدويرها من قبل لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن - جزء أساسي من التاريخ المقبول على نطاق واسع لصراعات إقليمية تضم إيران.
* غاريث بورتر، صحفي استقصائي مستقل وكاتب مؤرخ لسياسة الأمن القومي الأميركي. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "الأزمة المصطنعة: القصة غير المروية عن الخوف النووي الإيراني" والذي نشر في فبراير 2014.
http://www.truth-out.org/news/item/34240-how-false-stories-of-iran-arming-the-houthis-were-u
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق