نيفيل تايلر *
صحيفة أورشليم الإسرائيلية
الأحد 17 يناير 2016
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
قد يقول البعض أنه لا يوجد داعٍ للاختيار بين السعودية وإيران، لأنهما توأمان ونظامان متشابهان. ثمة من يرى أن كلا البلدين تحمكه أنظمة ديكتاتورية استبدادية، ويتبنى كلا منهما تفسيره المتطرف الخاص به فيما يتعلق بالشريعة، أحدهما من منظور سنّي والآخر من منظور شيعي. فكلاهما مستمر في اصدار الأحكام القضائية التي تقضي بقطع الرؤوس وبتر الأطراف والجلد بالسوط، في حين يتم اضطهاد المثليون جنسيا، وفرض القيود على النساء، والتعزير بشدة ضد أي أصوات معارضة. الآن، وحين يبرز خلاف شديد بين اثنين من القلاع المتنافسة التي تمثل الإسلام، قد يقول البعض أن ذلك بلاء أنزلوه بديارهم وتسببوا به لانفسهم. وقول كهذا يعد سطحيا وساذج.
لقد أثبت السعوديين على مدى سنوات عديدة أنهم من أشد مؤيدي سياسات الولايات المتحدة ولا يزال تعاونهم متينا حتى اليوم مع الغرب حول القضايا الأمنية والاستخباراتية مع الحفاظ على تدفق امدادات النفط الحيوية، في حين كانت ايران ولازالت تندد باستمرار حول أمريكا والديمقراطيات الغربية وانتهجت سياسات تهدف إلى الإخلال بحكوماتها، كما تبنت العديد من الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة والغرب والتي كانت في أغلبها هجمات مروعة.
أثار قرار السعوديين في بداية 2016 بإعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر، فضلا عن 46 سجينا آخرين مدانين بتهمة الإرهاب، أزمة كبيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران. هذا الخلاف أخذ في التشكل والتخمر منذ فترة طويلة. ففي اليمن، كرست السعودية وحلفائها في الخليج معظم وقتها العام الماضي في معارك قتالية مع الحوثيين المدعومين من ايران بهدف السيطرة على البلاد. وفي سوريا، يقاتل الحرس الثوري الإيراني ودميته، حزب الله، من أجل دعم نظام بشار الأسد، في حين يدعم السعوديون الجماعات الي تسعى إلى إسقاطه تماشيا مع سياسة الولايات المتحدة والغرب، المقتنعين أنه لا مستقبل لسوريا في ظل بقاء الأسد في السلطة.
لذلك، يجب أن يكون الإختيار بين السعودية وإيران واضح المعالم لالبس فيه وليس مجرد خيارا مطروحا على الطاولة، غير أن أهم العوامل المعقدة والمؤثرة في هذا الإختيار هو الهدف الاستراتيجي طويل المدى لإدارة أوباما في الشرق الأوسط. جاء الرئيس أوباما إلى المكتب البيضاوي يحمل شعورا بالذنب تجاه قوة وصلابة أميركا. وبدأ رئاسته معلنا بكل مافي وسعه عن اعتقاده القوي بوجود خطأ ما في سياسة أمريكا. وقد بدأ جولته الإعتذاريه في 3 أبريل 2009 في ستراسبورغ. وخلال وجوده في البلاد قال أوباما "لقد اظهرت اميركا الغطرسة وهو ماجعلها منبوذة من الآخرين على نحو يبعث على السخرية". إذا كان بالإمكان خفض قوة الولايات المتحدة، فقد تمتلك امريكا "السلطة الأخلاقية" لدفع الأنظمة القاتلة مثل نظام إيران للإنخراط في "المجتمع الدولي". لذلك، زعم البعض، أن أوباما عزم على الحد من سلطة وقوة أميركا في العالم.
لقد كان حدثا مهما أن يشير أوباما إلى إيران في تلك المرحلة المبكرة من رئاسته. وكان الرأي السائد على نطاق واسع بين المحللين السياسيين أنها "إشارة دشنت دبلوماسية أوباما"، وبحسب أستاذ العلوم السياسية امييل اونجار، فقد كان ذلك دلالة على التحول في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
تقفى اونجار أثر هذه السياسة بالعودة إلى مجموعة دراسة العراق 2006 التي ترأسها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر، وممثل الحزب الديمقراطي السابق لي هاميلتون. حيث كان الصراع الأكبر في ذلك الوقت ضد تنظيم القاعدة، وهي المنظمة الإرهابية الإسلامية السنية التي كانت مسؤولة عن هجمات 9/11، وكان هذا الصراع حينها هو ما يعطل تماما المحاولات الأمريكية لإعادة بناء العراق. راودت بيكر وهاميلتون فكرة ذكية مفادها أن وجود علاقة فاعلة بين أمريكا واثنتين من القوى الشيعية الرئيسية هما إيران وسوريا، من شأنه أن يشجع الأخيرتين على محاربة تنظيم القاعدة السني لمصلحتهم الخاصة، وهو مايعني مساعدة امريكا بشكل غير مباشر، وكأنه من باب الصدفة، في صراعها مع القاعدة. بالإضافة إلى ذلك، توقع بيكر وهاميلتون أن "تستخدم إيران نفوذها، وخاصة على الجماعات الشيعية في العراق، لتشجيع المصالحة الوطنية".
يعتقد اونجار أن هذا التحليل الخاطئ والمتهور هو السبب وراء رغبة أوباما في استيعاب إيران على الجبهة السياسية من خلال تقديم تنازلات كبيرة بشأن القضية النووية. عندما جاءت إدارة أوباما إلى السلطة، كان يبدو أن هدفها العلني هو القضاء على إمكانات إيران في إنتاج أسلحة نووية. ولكنها كانت تعمل في الواقع وفق أجندة مختلفة وسرية؟
من خلال المراسلات السرية مع المرشد الأعلى في إيران عام 2014، تبين أن أوباما حاول فعلا إشراك إيران في الصراع ضد الدولة الإسلامية. حيث ذكرت صحيفة الوول ستريت جورنال أن أوباما كان قد كتب لآية الله خامنئي بشأن المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وإيران في قتال مسلحي تنظيم الدولة.
وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرسالة التي بعثها أوباما في أكتوبر" كانت تشير أنها المرة الرابعة على الأقل، منذ توليه منصبه في عام 2009، التي يكتب فيها أوباما رسالة للزعيم السياسي والديني الأقوى في ايران، متعهدا بالتعامل مع الحكومة الاسلامية في طهران."
وبحلول عام 2016 أصبح من الواضح رؤية عملية تسهيل رحلة إيران للخروج من العزلة إلى المجتمع الدولي، لقد عززت إدارة أوباما جهود إيران الرامية لبسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ونتيجة لذلك فقدت الثقة، و الكثير من الاحترام، من حلفائها السابقين مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر، وجميعهم كان لديهم سبب وجيه في اتخاذ إيران خصما رئيسيا لهم.
هل نتج عن سياسة أوباما الاسترضائية أي تليين في الكراهية المتشبعة لإيران نحو "الشيطان الأكبر"؟ كلا، ولا ذرة واحدة. شعارات " الموت لاسرائيل " و" الموت لأمريكا "،" أعلن عنها آية الله خامنئي بعد الإعلان عن الاتفاق النووي قائلا "لقد دوت في أنحاء البلاد .... وحتى بعد هذه الصفقة، سياستنا تجاه الولايات المتحدة المتغطرسة لن تغيير".
لقد كان ذلك كثيرا مقارنة بالافتراضات والآمال الزائفة لمجموعة دراسة العراق عام 2006، وسياسة الاسترضاء. بأخذ إيران لكل التنازلات المقدمة في محادثات الصفقة النووية، والتراجع لاحقا عن العديد من النواحي الحيوية في الاتفاق النهائي، فإن قادة إيران لن يتزحزحوا قيد أنملة بشأن طموحاتهم في نهاية المطاف، وهي أن تصبح إيران السلطة السياسية والدينية السائدة في الشرق الأوسط، وتنحية كل الديمقراطيات التي على النمط الغربي جانبا، وفرض رؤيتهم الشيعية الخاصة عن الإسلام في العالم كله.
حاليا، وبينما يملك السعوديين الوقت ليثبتوا قيمة تحالفهم مع الغرب مرة أخرى، لاتزال الأصوات المؤثرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تجادل أنه ومنذ وافقت إيران على الاتفاق بشأن برنامجها النووي، فإن مصالح الغرب على المدى الطويل يمكن أن تتحقق بشكل أفضل من خلال بناء علاقات وثيقة مع طهران.
النظام الثوري الايراني ليس حليفا للغرب ولايمكن أبدا أن يكون كذلك. هدفه، مثله في ذلك مثل الدولة الإسلامية، هو تمزيق العالم الديمقراطي والهيمنة عليه في نهاية المطاف. يحكم هذا النظام قبضته على الشعب الايراني ويسحق بلا رحمة كل المعارضة - مع ذلك لازالت المعارضة موجودة، ويوم ما قد تنجح بإخلاص في استعادة إيران وشعبها إلى المجتمع الدولي. ولكن كما تبدو الأمور، فما بين حليف قوي وعدو معلن، يمكن للمرء أن يستغرب لماذا نتسائل حول من منهما يستحق الدعم. طرح هذا السؤال نفسه يعطي دلالة على السياسات الخاطئة التي هيمنت على تفكير واشنطن على مدى السنوات السبع الماضية.
* نيفيل تايلر، مراسل أوراسيا رفيو في الشرق الأوسط، وأحدث مؤلفاته كتاب "البحث عن الانفراج: إسرائيل وفلسطين"
http://m.jpost.com/Blogs/A-Mid-East-Journal/Saudi-Arabia-or-Iran-a-choice-must-be-made-441759#article=6017N0ZBMzE2OTY3RjBCODE4NkFBQ0RCQjQ3NUE0NDk5MTA=
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق