بقلم: ديانا الغول
ميدل إيست مونيتور - لندن
الجمعة 22 يناير، 2016
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
لطالما تم النظر إلى وجود روسيا في منطقة الشرق الأوسط باعتباره مسألة مثيرة للجدل. وأصبحت أفعالها في سوريا والعراق، وتسهيلها للسياسة التوسعية الإيرانية، موضوعا مفضلا للنقاش. تعتبر روسيا لدى الكثيرين أنها القوة المضادة للربيع العربي نتيجة دعمها للأنظمة الديكتاتورية وصراحتها في ضمان نفوذ وتأثير تلك الأنظمة. نشأ هذا الشعور أساسا من دعم الكرملين القوي للديكتاتور السوري بشار الأسد، غير أن موسكو لم تظهر دعما شعبيا وقويا كهذا لأي طرف في اليمن. ومع ذلك، قام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين بعدة محاولات حثيثة لتسخين علاقاتهم مع روسيا من أجل بناء بعض الدعم لمأزقهم داخل المجتمع الدولي.
لم تتغير سياسة روسيا كثيرا في اليمن منذ بداية الربيع العربي. ففي حين تدعم علنا طرفا واحدا في سوريا، تفضل موسكو اتخاذ نهج أخف في اليمن من خلال ضمان علاقات جيدة مع كل من هو في السلطة. عندما أصبح عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية في عام 2012، لم يكن هناك اعتراض لدى موسكو. في الواقع، كان يُعرَف عن هادي أنه تلقى تعليمه من قبل الاتحاد السوفياتي، وهو المكان الذي تلقى فيه تعليمه العسكري، ونظرا لأنه قد يكون شريك محتمل، فقد تجاوزت موسكو عن ذلك. وفي أبريل 2013، زار هادي بوتين في موسكو حيث اعترف الرئيس الروسي أن التجارة بين البلدين نمت بنسبة 43 في المائة في عام 2012 وهو العام الأول منذ تنصيب هادي رئيسا لليمن.
وعندما بدأت الضربات الجوية لقوات التحالف التي تقودها السعودية ضد قوات صالح والحوثيين، جاء الموقف الرسمي الروسي متماشيا مع الخطاب العام المعادي للسعودية. ففي حديثه للرئيس الايراني حسن روحاني، انتقد بوتين التحرك السعودي، ودعا إلى "الوقف الفوري للأنشطة العسكرية في اليمن". كما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش في مؤتمر صحفي في موسكو إلى عملية التحالف بأنها "تهديد خطير جدا للأمن الإقليمي". وعلى الرغم من أن الروس لم يعربوا عن تأييدهم لأي طرف من الأطراف اليمنية المتحاربة، إلا أن لغتهم توحي بأنهم ليسوا محايدين كما يرغبون في تصوير أنفسهم.
وقد اتضح هذا خلال تعليق صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية في موسكو، فقد كشفت اللغة والوسائل المستخدمة لوصف الأحداث في عدن وتعز عن موقف روسيا الأساسي. حيث تمت الإشارة إلى تقدم القوات المناهظة للحوثي في منتصف أكتوبر من العام الماضي على أنها " أعمال عدائية استمرت لمدة شهر ونصف" وتجاهل التصريح تماما أحداث العنف التي جرت قبل أكتوبر بواسطة الحوثيين. كما لم تتطرق الوزارة في تعليقها إلى حصار الحوثيين لتعز على مدى شهور.
حدث الشيء نفسه مع تعليق موسكو حول الأحداث في عدن. حيث أبرزت الوزارة أن عدن تواجه تهديدا أمنيا بسبب نمو تنظيم القاعدة وفشل الحكومة اليمنية لحماية المدينة في الفترة التي أعقبت الاجتياح الحوثي. في الواقع، لقد كان الحوثيين هم من خلق الفجوة الأمنية من خلال تدمير البنية التحتية المدنية والأمن في عدن، ولكن لم تشر الوزارة لذلك في سياق تعليقها. حقيقة أن تراجع الحوثيين من عدن تسبب في إزدهار تنظيم القاعدة - وهي الحجة التي يتبناها العديد من الليبراليين والمحللين المؤيدين للحوثيين - تمثل نصف الحقائق على أرض الواقع.
وعلى الرغم من أن الكرملين لا يخجل من التلميح الى انحيازه الخفيف، إلا أنه لا يزال مترددا بشأن الاستجابة لمحاولات صالح دفع موسكو إلى تشكيل تحالف معه شبيه بتحالفها مع الأسد. وضع المسؤولون الموالون لصالح وكذلك الحوثيون كل جهودهم في السعي لإيجاد مسار دبلوماسي من خلال العديد من الزيارات الي قاموا بها إلى السفارة الروسية في صنعاء. حتى أن التقارير أفادت، في مطلع نوفمبر، أن صالح توسل الروس من أجل الحصول على صواريخ مضادة للطائرات والسفن.
لماذا إذا لا تظهر روسيا دعمها لهذا الطرف أو ذاك كما تظهره للأسد على الرغم من تعاطفها الواضح مع الحوثيين؟ من الواضح أن روسيا لا تستطيع ببساطة أن تفعل ذلك في هذه المرحلة بسبب الطريقة التي تم بها جر موسكو إلى الصراع السوري. إذا قام الكرملين بتوسيع عملياته العسكرية في الشرق الأوسط بشكل علني، فسيمتد ثأثير ذلك على قدراته في الوقت الذي يعتمد فيه الأسد كليا على الجيش الروسي والإيراني ودعمهما الدبلوماسي.
من شأن هذا أيضا أن يقوض سياسة روسيا لصنع السلام مع أي حكومة ستستلم زمام السلطة في اليمن. روسيا ليست على استعداد لتبني معركة قاسية لأن العنصر القبلي في النظام السياسي اليمني - على عكس الدول الأخرى - معناه أن وضع كل الجهود لتأمين الدعم لطرف واحد بعينه يعد أمرا محفوفا جدا بالمخاطر إذا ماقورن ذلك مع بلد آخر يفتقر إلى النظام القبلي المتجذر. عندما يكون خطر الانتقام من خلال الإرهاب مرتفعا في مثل هذا الموقع الاستراتيجي، فإن هذا الخطر يتضاعف.
يظهر الكرملين أيضا دلالات تعكس السياسة الإيرانية. فايران لا تزال تنفي تدريب وتسليح أو حتى دعم الحوثيين أو قوات صالح بالرغم من وجود أدلة على أنهم كانوا على تواصل لعدة سنوات. لدى كبار المسؤولين في تلك القوات علاقات وثيقة مع نظرائهم الإيرانيين، فعبد الملك الشامي - على سبيل المثال - توفي في طهران بعد أن أرسل إلى هناك لتلقي العلاج إثر هجوم على مسجد في اليمن ودفن في مقبرة حزب الله في بيروت، وهي في الواقع نفس المقبرة التي دفن فيها هادي نصر الله نجل زعيم الميليشيا اللبناني حسن نصر الله. ضُِبطَت إيران في مناسبات عديدة متلبسة بتسليح الحوثيين، بما فيها تلك الحادثة الشهيرة التي تم فيها ضبط طهران بتمويل الميليشيات بعد فترة وجيزة من الاستيلاء على صنعاء في عام 2014.
من الواضح أن روسيا سوف تبقى حذرة حول توضيح موقفها في اليمن، لكن انحيازها واضح جدا. ومن غير المرجح أن يسعى الروس إلى دعم صالح بشكل منفتح على الرغم من محاولاته الأخيرة لإقناعهم بالقيام بذلك. لقد كانت مشاركتهم في اليمن خفيفة، ولا توجد مؤشرات على أنهم يخططون لتغيير نهجهم في هذا الوقت بالذات.
https://www.middleeastmonitor.com/articles/middle-east/23475-russias-role-in-the-yemen-conflict
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق