منذ ظهور الانترنت قبل حوالي عقدين من الزمن ظهر معها مفهوم وفلسفة جديدة وثورية في التعامل مع المعلومات وحرية حركتها من المصدر حتى المصب مرورا بعدة مراحل ومعالجات وأصبح متاحا الآن لأيا كان القدرة للوصول لكل ما تناقلته البشرية وحفظته الأجيال من معلومات وأحداث وعلوم في مكان واحد. لكن مشكلة المعلومة تحولت من الندرة في الحصول عليها إلى الإفراط في توافرها واختلطت فيها الحقائق بركام من المغالطات والآراء المختلفة والمتناقضة وبما أن شحة توافر المعلومة يقف عائق أمام الوصول للحقيقة فإن فيضان المعلومات قد يغمر الحقيقة ويطمر معالمها.
قد يجد الصحفي نفسه يبذل جهد في سبيل الوصول للحقيقة من خلال التحقيق في صحة مصادر المعلومات الفائضة لدية وتنقيحها كالجهد الذي يبذله في البحث عن مصادر شحيحة إن لم يكن أكبر. لم تعد المشكلة في إيجاد المعلومة فقد يكون الوصول لها سهلا في عصر التكنولوجيا ولكن الصحفي قد يسهر لليالي ويبحث لأيام في سبيل التحقق من صحة معلومة حصل عليها. خصوصا هذه الأيام حيث مصادر الآراء على شبكة الإنترنت في تصاعد وهذا جيد من الناحية الاجتماعية ولكن المشكلة تبرز عند البحث عن مصادر الحقائق التي استندت عليها هذه الآراء والتي قد يفاجأ الصحفي بندرتها وصعوبة الوصول إليها .
أصبح واضحا أن عدد وتنوع منصات النشر في ازدياد هائل في عصر الإنترنت لكن القليل من هذه الكيانات ملتزم بنهج تقصي الحقائق حيث صار من السهل جدا أن يقوم مستخدموا الانترنت أيا كانوا بإنشاء مدونات أو شبكات اجتماعية يعبرون فيها عن آرائهم حول مختلف القضايا السياسية ولكنها تضل تدور حول نظرية التعبئة وحشد الآراء و شحن العواطف أو نشر الوعي بين الناس وقد تكون هذه المنصات منبرا حرا وجيدا للتعبير عن الرأي بعيدا عن سلطة المنع والمصادرة لاسيما للمدونين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان والحريات في توثيق وعرض بعض المسائل الحيوية و بعض الخروق والانتهاكات وما إلى ذلك لكنها في النهاية لا تمثل مصدرا للحقيقة لذلك ستبقى مسألة جمع الحقائق باعتقادي مسألة معقدة سواء للصحفيين أو الباحثين أو غيرهم من المختصين والمحترفين ممن يبحث عن الحقيقة. وهنا يمكن للصحفي الاستفادة من هذه المنصات المتاحة بفضل التكنولوجيا كاستعمال المدونات واستغلال شبكات التواصل الاجتماعي وما شابهها في نشر هذه الحقائق التي توصل إليها لاسيما إذا واجهت الرفض بالنشر في الجهات الإخبارية التي يعمل لها وهذا من شأنه أن يساعد الصحفي على نشر الحقائق المبنية على أسس علمية ومنطقية ومهنية مباشرة دون عوائق والذي بدورة سيحسن من مصداقية الإنترنت كمنصة لنشر الحقيقة لدى الجمهور.
عبدالرحمن أبوطالب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق