جورجيو كافييرو
صحيفة المونيتور - واشنطن
الإثنين 28 ديسمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
بعد تسعة أشهر على إطلاق عملية عاصفة الحزم، وجد السعوديين أنفسهم مطوقين في مستنقع مهين، حيث أثبت المتطرفون مثل داعش أنهم المنتصرين الوحيدين في الحرب الأهلية في اليمن. كما تلقت المملكة انتقادات قوية من المنظمات المحلية والدولية لحقوق الإنسان، التي تتهم السعودية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين اليمنيين. وبوضع التكاليف الأخلاقية جانبا، فقد أدت الحملة العسكرية المكلفة أيضا إلى أزمة مالية في الرياض.
وفي ضوء فشل محادثات السلام في وقت سابق من هذا الشهر في سويسرا واستئناف القتال في شمال اليمن، يواجه السعوديون معضلة استراتيجية كبرى. ماذا إذا فشلت الجولة القادمة من المحادثات المقررة مطلع 2016 أيضا، هل ستستمر المملكة بتحويل الموارد إلى هذا المأزق الدموي، أم ستتراجع دون تحقيق أي من أهداف الرياض؟ في خضم يأسها من الخروج المشرف من اليمن، توجهت المملكة إلى جارتها عمان للتوصل إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة. في نهاية المطاف، قد تكون هذه الخطة الوسيلة الأكثر واقعية بالنسبة للرياض لحفظ ماء الوجه في اليمن.
السلطنة: الجسر الدبلوماسي
التقى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الشهر الماضي في مسقط نظيره العماني يوسف بن علوي لمناقشة مزيد من التعاون بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق اليمن. داعيا الى "دبلوماسية هادئة"، وقال علاوي ان سلطنة عمان تسعى "لحلول سياسية طويلة الأمد" ناجمة عن "التقارب بين جميع الأطراف". وعلى الرغم من أن انهيار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في يناير قد أثار ردودا مختلفة جوهريا بين مواقف المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، إلا أن علوي قال ان الرياض ومسقط قد "وافقتا على النظر إلى الأمام وتجاوز الماضي".
كانت عمان الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تنضم إلى عملية عاصفة الحزم. الاستجابة الناضجة بعيدة النظر لعمان عقب استيلاء الحوثيين على صنعاء أكدت إدراك مسقط للتاريخ اليمني، حيث لم يكن هناك قوة مقاتلة في أي وقت مضى قادرة على السيطرة على البلد بأسرها. يتطلب حل النزاع في اليمن اتفاقا لتقاسم السلطة يكون فيه لجميع الاطراف صوت على الطاولة، وليس حملة عسكرية تهدف الى سحق حركة التمرد الحوثي. وتحقيقا لهذه الغاية، حافظت مسقط على حيادها طوال فترة الصراع والتزمت بدفع محادثات السلام قدما.
منذ إطلاق عملية عاصفة الحزم، استضافت عمان ممثلين عن العديد من الفصائل في الحرب الأهلية. و في مايو، عقد مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية محادثات سرية في مسقط مع وفد الحوثيين، واجتمع ممثلوا الحوثي مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ومع مسؤولي دول مجلس التعاون الخليجي. وقد أمّن المسؤولين العمانيين أيضا الإفراج عن المدنيين الغربيين المحتجزين في اليمن من قبل الجماعات المسلحة.
المصالح الوطنية العمانية
تسعي عمان نفسها للاستقرار على المدى الطويل في اليمن المجاور، وهذا هو ما يحفز مسقط لاجراء مزيد من المحادثات تشمل الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. من وجهة النظر العمانية، فإن التهديد الذي يمثله الحوثيين وصالح الموالي لهم لا يشكل نفس التهديد الذي يراه زملائهم الأعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي. بدلا من ذلك، فإن القيادة العمانية أكثر اضطرابا بسبب التهديد الذي يشكله النزاع طويل الأمد على أمن محافظة ظفار في سلطنة عمان التي تقع على طول 187 ميل من حدودها مع اليمن.
تسبب الصراع الداخلي في تقسيم عمان قبل تولي السلطان قابوس الحكم في عام 1970. حيث حكمت عمان اثنتان من مراكز القوى هما الإمامة الإباضية في الداخل والسلطنة على طول الساحل خلال الفترة من خمسينات القرن التاسع عشر حتى خمسينات القرن العشرين. وبحلول عام 1959 تمكن والد قابوس بدعم بريطانيا من سحق التمرد الذي شنته الإمامة الإباضية واستطاع توطيد سيطرة السلطنة على كامل البلاد، بما في ذلك الاحتياطيات النفطية المكتشفة حديثا في الداخل. و في عام 1962، شنت جبهة تحرير ظفار - وهي جماعة أجنبية يرعاها متمردون ماركسيون عرفوا فيما بعد بالجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل - تمردا تمكنت الأسرة الملكية من القضاء عليه رسميا في عام 1976 بدعم من البريطانيين والإيرانيين والأردنيين.
ونظرا للتحديات التي يواجهها العمانيون و المرتبطة بمسألة توريث الحكم، يشعر المسؤولين في مسقط بعدم الاستقرار من إمكانية الجماعات في محافظة ظفار المهملة تاريخيا رفض شرعية استخلاف قابوس. وفي هذا السياق، فإن تشجيع التوصل إلى حل سلمي للأزمة اليمنية على طاولة الحوار يخدم المصالح الوطنية العمانية. إن إمكانية تسلل الجماعات المتطرفة إلى عمان وإثارة الاضطرابات، من خلال تأجيج مثل هذه التوترات التاريخية خلال الانتقال السياسي في البلاد، هي الخطر الذي تأخذه السلطات في مسقط على محمل الجد. لا تزال ذكريات الصراع بين الإمامة الإباضية والسلطنة وتمرد ظفار حية في أذهان كبار السن من العمانيين. اليوم، ومع ذلك، ليس هناك شك في أن المتطرفين الجهاديين في اليمن مثل داعش أصبحوا مدعاة للقلق أكبر بكثير من مقاتلي حقبة الحرب الباردة المتمثلين في جبهة ظفار الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل.
وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية المستقلة لسلطنة عمان - التي تعمل خارج إطار دول مجلس التعاون الخليجي - كانت مصدر إزعاج للسعوديين في مناسبات سابقة، إلا أن المسؤولين في الرياض قد يكونوا ممتنين للحكمة العمانية التي جعلت مسقط تتجنب الانضمام إلى عملية عاصفة الحزم. إن عدم قدرة السعودية، وهي أغنى دولة عربية وأكبر مستورد للأسلحة في العالم، على هزيمة التمرد في أكثر المناطق افتقارا للخدمات داخل أفقر بلد عربي هو مصدر إذلال.
سيكون من الحكمة أن يستفيد السعوديون من الموقع الدبلوماسي الذي تقدمه عمان للرياض في هذا الظرف الصعب. استمرار هذا الصراع بالتأكيد لن يفيد المصالح بعيدة المدى للسعوديين واليمنيين أو العمانيين.
http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2015/12/oman-yemen-saudi-isis-gcc-arms.html#ixzz3vdMUrTFn
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com