بقلم: * اللواء تيم كروس - صحيفة التيلغراف البريطانية
الخميس 3 ديسمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
إن استخدام حليفنا للأسلحة البريطانية يتناقض كلياً مع الدور الذي وضعناه لأنفسنا في العالم. في مرحلةٍ ما، نحن بحاجة إلى الوقوف أمام ذلك.
هناك خطر حقيقي من أن الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط تعمل حالياً على إيجاد تهديدا وجوديا حقيقيا للغرب ولأولئك الناس من جميع الأديان في كل مكان ممن يسعون إلى العيش بسلام جنبا إلى جنب مع بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن بعض المسلحين الانتحاريين الذين عاثوا فسادا في عدة شوارع حيوية ومتعددة الثقافات في باريس كانوا من الرعايا الأوروبيين، إلا أن جميعهم كانوا متأثرين بأيديولوجية مليئة بالكراهية احتضنتها الفوضى في العراق وسوريا واليمن. ونظرا لقرار البرلمان البريطاني بتوسيع نطاق غارات سلاح الجو الملكي البريطاني في سوريا، فإن السؤال الذي يردده الجميع هو، إلى أين نحن ماضون؟
لنتحلى بالقليل من الواقعية: نحن "الغرب" لن نقوم بإصلاح الشرق الأوسط. فنحن لا نرى الأمور بالطريقة التي يراها الناس في تلك المنطقة، وبالتأكيد لا نفهمها بالطريقة التي يفهمونها بها. في عام 2003، رأيت بنفسي الضرر الناتج عن مثل هذه الغطرسة التي تمثلت في التجاهل المتعمد، تقريبا، لأي تخطيط جدي لمرحلة ما بعد غزو العراق. حلول مشاكل المنطقة يجب أن تأتي في المقام الأول من القوى تلك المنطقة الإقليمية ذاتها. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تستبدل السعودية وإيران الدبلوماسية بدلاً من المنافسة القائمة على الحروب بالوكالة، التي يعتبر واحد فقط من ملاعبها. ولكن هناك عدة طرق نستطيع نحن "الغرب" أن نساعد بها. وبنفس الأهمية، هناك أيضا طرق نستطيع من خلالها تجنب جعل الأمور أسوأ.
تكافح السعودية، الحليف المقرب للمملكة المتحدة، بصعوبة في صراع مع المتمردين الحوثيين في اليمن، هذا الصراع يهدد بأن تصبح اليمن مستنقع يقوم بالفعل بتربية التطرف ويدق ناقوس الخطر حول الأوضاع الإنسانية. لم يتم تغطية أحداث اليمن على نطاق واسع في وسائل الإعلام الغربية. وحاليا تستغل داعش وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفوضى هناك لتعزيز وجودها تماما كما فعلت في سوريا والعراق، وبنفس العواقب الكارثية. حيث تبنت داعش عددا من التفجيرات الانتحارية الدموية في العاصمة اليمنية صنعاء خلال الأشهر القليلة الماضية، كما تتباهي بجودها المسلح في مدينة عدن. ومهما كانت المقترحات التي سيتمخض عنها النقاش في البرلمان، فإن مواجهة داعش والتطرف في المنطقة يذهب أبعد بكثير من الحدود السورية، وهذا ما ينبغي أن يلاقي استجابة معقولة.
منذ بدء قصف اليمن في شهر مارس من هذا العام، قـُتل أكثر من 5700 شخص بينهم نساء وأطفال. وقد تسببت الغارات الجوية السعودية في وقوع ثلثي الإصابات، في حين كانت الغالبية العظمى من القتلى والجرحى من أوساط المدنيين. هناك دليل واضح على أن جميع الأطراف قد فشلت في التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وحذرت الأمم المتحدة من أن جميع الأطراف ارتكبت أفعال قد ترقى إلى جرائم حرب. كما دمرت قوات التحالف البنية التحتية المدنية في اليمن بما في ذلك مستشفى أطباء بلا حدود في صنعاء الذي تم تدميره مؤخراً. الوضع الإنساني أيضا تدهور بشكل سريع ومؤثر: اليمن بعد خمسة أشهر من الصراع تشبه سوريا بعد 5 سنوات، وجزء كبير من البلد على حافة المجاعة. كما أن 85 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 24.4 مليون في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.
باعتبار بريطانيا حليفا وموردا للسلاح و شريكا رئيسيا في مكافحة الإرهاب، فإنها تملك علاقات مهمة مع السعودية، وبالتالي فهي أمام مسؤولية خاصة تقتضي تسليط الضوء على الحالات التي تتصرف فيها بطريقة تتعارض مع مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها - كما هو الحال في اليمن بالتأكيد. يجب علينا أن ندعم القيادة السعودية في السر والعلن لتغيير سياستها القائمة على الاستراتيجية العسكرية البحتة، التي من الواضح أنها لا تجدي، والتوجه نحو السعي إلى حل دبلوماسي وسياسي أوسع، يتمحور حول وقف لإطلاق النار. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، فنحن بحاجة للقيام بذلك لتجنب خطر التواطؤ في جرائم حرب واتهامات بالنفاق وهو ما قد يقوض منزلتنا كمناصرين للنظام الدولي القائم على القوانين.
تعد المملكة المتحدة إحدى الجهات المانحة الرئيسية في اليمن وقد قدمت 75 مليون جنيه إسترليني من المساعدات الجديدة منذ سبتمبر عام 2014، ولكن في الوقت نفسه، نحن أكبر موردي للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، بعد أن قمنا بمنحها 37 ترخيصا لتصدير السلع العسكرية منذ مارس، بما في ذلك خروجنا عن نهجنا عندما قمنا بتحويل صفقة القنابل الموجهة " بيفواي 500" المخصصة أصلا لسلاح الجو الملكي البريطاني لصالح السعودية، حيث تستخدم هذه القنابل الموجهة على الطائرات الموردة من المملكة المتحدة.
بالطبع فإن المملكة المتحدة لديها الحق في بيع أسلحة للسعودية عندما يتماشى ذلك مع الأطر القانونية الدولية والمحلية. ولكن هناك مخاطرة واضحة في أن الحكومة متواطئة في الهجمات العشوائية في المناطق المدنية منتهكة بذلك القانون الدولي وقوانين المملكة المتحدة. كيف لحليفنا أن يستخدم الأسلحة البريطانية بما يتعارض مع الدور الذي ندعيه لأنفسنا في العالم ومع جهود الإغاثة التي نقوم بها. كبار الشخصيات في الحكومة أنفسهم يعترفون سرا بهذا التناقض.
المناقشات بشأن سوريا تسلط الضوء على المصلحة الوطنية في منع فشل دولة أخرى في الشرق الأوسط. لدينا نفس المصلحة في اليمن. نحن نقف في وضع فريد لمساعدة حليفنا في تأمين وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي. يجب أن نتحرك كمساعد، وذلك باستخدام الدبلوماسية والدعم الإنساني لجلب الناس حول طاولة الحوار، والأهم من ذلك أن يكون لدينا الثقة في قدرتنا على لعب دور إيجابي في اليمن، والتي يمكن أن تكون مثالا للكيفية التي يمكننا بموجبها الانخراط أكثر في السياسة الخارجية لتأكيد القيم البريطانية، وتعزيز الأمن والتنمية على الصعيدين الوطني والدولي، وتحديد دورنا في العالم.
اللواء تيم كروس (متقاعد) كان أكبر ضابط بريطاني في مقر عمليات الولايات المتحدة الخاصة بالتخطيط لما بعد الحرب إبان غزو العراق عام 2003
http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/yemen/12031049/Our-coalition-partners-the-Saudis-are-creating-conditions-in-Yemen-which-let-Isil-flourish.html
----------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق