الأربعاء، 25 مايو 2016

الأزمة السعودية تتفاقم

| قمع السعودية لمواطنيها الشيعة وحربها ضد اليمن هي علامات على نهايتها |.

بقلم: روب برنس وابراهيم كازيروني.
المعهد الأمريكي لدراسة السياسات.
الثلاثاء 24 مايو 2016.

ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب.

يؤكد علماء الفضاء أن النجم حين يكون على وشك الإنهيار، فإن نواته تصبح غير مستقرة. حيث يبدأ النجم في الإتساع إلى ما هو أبعد من حجمه العادي، وحين يظهر  في حجم كبير، فإنه حينها يكون في الواقع في أضعف حالاته. هذه بالضبط هي الحالة التي تعيشها المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن.

ابن خلدون، أحد كبار فلاسفة القرن الرابع عشر، رسم في كتابه "المقدمة" ملامح صعود وسقوط الإمبراطوريات. مؤكدا أنه لايمكن لأي مجتمع أن يحقق أي شيء ما لم يوجد هناك توافق في الآراء بشأن أهدافه وغاياته، بالإضافة إلى تمتعه بالتضامن المجتمعي والذي أشار له "بالعصبية" أو الإجماع على دعم تلك الأهداف. يخلق التنافس على النفوذ الشخصي والفساد وإغواء الثروة نوعا من الفتور العام الذي يشكل الطور الأخير لأي قوة مهيمنة.

كل المؤشرات تشير إلى أن السعودية تمر بمثل هذه المرحلة في الوقت الحالي.

كنا قد تطرقنا في مقال السابق إلى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الانكماش الاقتصادي، في نهاية المطاف، في تهيئة الظروف لانهيار النظام الحالي في شبه الجزيرة العربية. و في هذا المقال سيتم التطرق إلى عدة عوامل أخرى وتقييم آثارها على الهيكل السياسي في شبه الجزيرة العربية.

من بين هذه العوامل: انحسار السلطة في السعودية.

هجر الحكام السعوديون دورهم التقليدي  في عدم الإنخراط المباشر في أي قتال أو حرب وتحولت سياستهم إلى التدخل العسكري المباشر عبر إعلانهم الحرب الشاملة على اليمن في 25 مارس عام 2015، ودعم القمع المستمر في البحرين.

يكشف الدور السعودي في تمويل وتدريب ودعم الإرهابيين والمرتزقة في العراق وسوريا، علاوة على عدد آخر من العوامل و الأنشطة، إلى أي مدى تراجعت السلطة الملكية السعودية. الأزمة الشاملة في البلاد تزداد عمقا على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية. يركل التنين ويرفس عندما يشعر بأن مخالبة يمكن أن تفقد قوتها. في نهاية المطاف، سيأتي الإنهيار من داخل بيت آل سعود نفسه.

الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.

في يوم الثلاثاء 22 سبتمبر 2015، كشف موقع ميدل إيست آي النقاب عن قصة رسالة كتبها أحد الأعضاء البارزين في العائلة المالكة السعودية تدعو إلى "التغيير" في القيادة لدرء انهيار المملكة.  وكانت هذه الرسالة التي وزعت في المقام الأول بين الأسرة السعودية قد ألقت باللوم على منصب الملك سلمان في التسبب بمشاكل غير مسبوقة نشأت من عدم اهليته بالمنصب وهو ما يهدد استمرار بقاء النظام الملكي.

وحذر الأمير في الرسالة بالقول "لن نكون قادرين على وقف استنزاف المال والمراهقة السياسية والمخاطر العسكرية ما لم نغير أساليب صنع القرار، حتى لو كان ذلك يعني ضمنا تغيير الملك نفسه".

وبالرغم من عدم وجود مؤشرات على بروز انقلاب داخلي، إلا أن الاقتصاد وانتهاكات حقوق الإنسان والحروب الإقليمية يمكن أن تكون مؤشرات هامة على أن عصر آل سعود في شبه الجزيرة العربية يمر بالأطوار النهائية من وجوده.

المملكة العربية السعودية ديكتاتورية ريعية متواطئة مع الإرهاب العالمي.

تحكم السعودية من قبل أسرة ديكتاتورية لا تتسامح مع المعارضة وتعاقب بشدة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين. وخلال الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت بشدة موجة العنف التي يرتكبها النظام السعودي، ليس فقط ضد الطائفة الشيعية الأقلية في شعب المملكة، ولكنها تصاعدت على نطاق عالمي. يستخدم النظام القمع ضد كل من يجرؤ على التشكيك في السلفية الوهابية سواء في الداخل أو في الخارج، حيث يوضح رد الفعل السعودي مؤخرا حول طباعة تقرير أحداث 11/9 جزء من هذا الاتجاه المقلق. مثل هذا الازدراء غير المسبوق لحقوق الآخرين يمكن أن يستخدم في نهاية المطاف كمقياس لتقييم انهيار سلطة آل سعود في شبه الجزيرة العربية.

تعد شبه الجزيرة العربية في الأساس جزيرة صحراوية كبيرة يحدها البحر الأحمر والخليج الفارسي. تنتج المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة هذه ما لا يقل عن 80٪ من النفط السعودي وتحوي حوالي أربعة ملايين نسمة، الأغلبية الساحقة منهم من الشيعة الذين تعرضوا للاضطهاد من قبل الحكومة الوهابية السعودية لعدة عقود.

انتهاك حقوق الأقلية الشيعية منتشر بشكل واسع وغير إنساني. فقد جرى هدم مساجد الشيعة ومدارسهم آيلة للسقوط، كما يجري سجن الشخصيات الدينية وتعذيبهم وإعدامهم بشكل منتظم. قبل بضعة أشهر فقط، تم إعدام واحدا من علماء الدين الشيعة البارزين في المجتمع، الشيخ باقر النمر، بعد سجنه لمده طويله لأنه تحدث ضد القمع الذي تتعرض له الطائفة الشيعية.

وصف الشيخ النمر حياة الشيعة في المملكة العربية السعودية بالقول "منذ لحظة ولادتك، تكون محاطا بالخوف والترهيب والاضطهاد وسوء المعاملة. نحن نولد في جو من الترهيب. بل إننا نخاف من الجدران. من منا ليس على دراية بالترهيب والظلم الذي نتعرض له في هذا البلد؟ أنا عمري 55 عاما، أي أكثر من نصف قرن. من يوم ولدت وحتى اليوم، لم يسبق لي أن شعرت بالأمان في هذا البلد. دائما ما يجري اتهامك بشيء ما. دائما ما تكون تحت التهديد. لقد اعترف لي مدير أمن الدولة بالكثير. قال لي عندما تم اعتقالي (يجب قتل كل واحد منكم أيها الشيعة) هذا هو منطقهم".

يقال أن محمد بن سلمان نجل الحاكم الحالي والبالغ من العمر 35 عام، هو من نصح والده بضرب عنق الشيخ نمر باقر النمر لانه تجرأ على تحديه. أدانت الدولة زعيم المعارضة ونفذت فيه حكم الإعدام بعد أن كانت جريمته الوحيدة  هي صياغة وترديد شعار "الاستبداد غير شرعي". الحقيقة أن هذا القائد الذي كان شيخ الحركة الشيعية قد عزز فقط من الشعور العنصري ضد غير السلفيين، الذين يحظر عنهم التعليم الديني ويمنعون أيضا من الإنخراط في الخدمة العامة للدولة.

القضية التالية التي من الممكن أن تحدث انهيارا للمملكة، في إطار هذا الموضوع، هي الحرب الوحشية وغير المشروعة في اليمن. أخذ محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، على عاتقه شن الحرب ضد اليمن التي تعد أفقر وأضعف دولة في العالم العربي، منذ أكثر من عام بحجة مساعدة الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي الذي تمت الاطاحة به من قبل تحالف بين قطاعات مختلفة في المجتمع اليمني طالبت بالديمقراطية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي الملموس في بلادها.

هذه الحرب ينفذها السعوديين في المقام الأول وبدعم ضمني من الولايات المتحدة وأعوانهم الإقليميين (قطر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، وغيرها وذلك جنبا إلى جنب مع خدامهم مثل مصر والمغرب). وقد أدت الحرب إلى عواقب وخيمة على اليمنيين. حيث قتلت وجرحت عدد غير معروف من المدنيين وتسببت في نزوح ما يقرب من مليوني شخص وخلفت قرابة 500 ألف لاجئ وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة. كما أعلنت الأمم المتحدة رفع درجة الوضع الإنساني في اليمن إلى مستوى حالة التأهب القصوى. يستهدف القصف العشوائي كل البنى التحتية المدنية وصولا إلى المناطق السكنية والأسواق ومخازن الحبوب وخزانات المياه والمستشفيات والمدارس والمساجد، وحتى المواقع الأثرية والمقابر. تذكرنا هذه الحرب بالأيديولوجية المدمرة لداعش التي تستمد جذورها من المملكة العربية السعودية. حتي مواكب المدنيين الفارين من العنف، لم تسلم من الاستهداف.

فرض السعوديون حصارا لا يرحم على اليمن التي تستورد 90٪ من احتياجاتها الغذائية. ومنعت منظمات الإغاثة من إيصال الإمدادات إلى البلد، ليس هذا فحسب، بل أنه يتم استهداف العاملين في هذه المنظمات أثناء عملهم في تقديم المساعدة الإنسانية. أكثر من 21 مليون شخص، يمثلون 80٪ من سكان اليمن، لايستطيعون الحصول على ما يكفي من السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية والكهرباء والوقود. هناك تقارير متكررة للعديد من الوكالات الإنسانية العالمية تفيد بأن المملكة العربية السعودية تستخدم اسلحة غير تقليدية (كالقنابل العنقودية، وحتى الأسلحة الكيميائية)، وتقوم بارتكاب جرائم حرب قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.

كان الهدف من العدوان السعودي هو كسر تحركات هذا البلد الفقير نحو الاستقلال بعد تاريخ من التبعية للرياض. ولكن لم تحقق هذه الحرب حتى الآن أيا من أهدافها المعلنة. بل على العكس من ذلك، أمسكت المقاومة اليمنية بزمام الأمور في معظم المدن اليمنية الرئيسية ونقلت الحرب إلى الأراضي السعودية. لقد أدت الهجمات السعودية إلى توحيد البلاد - القوات المسلحة النظامية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والمتمردين الحوثيين واللجان الشعبية الأخرى - وراء شعار "الموت لبيت آل سعود"، وهو ما يعد تطورا غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يعلن السقوط الحتمي لأسرة آل سعود الذين كانت أيديولوجيتهم الوهابية وسياستهم الخارجية بمثابة السرطان في جسد الإسلام .

الرياض الآن في طريق مسدود، فقد فشلت حملتها العسكرية الجوية في اليمن فشلا ذريعا تماما كما انتهت الحروب الست السابقة منذ عام 2004 من قبل القوات الموالية للرئيس صالح ( الذي كان في السابق دمية بيد آل سعود وأصبح الآن متحالفا مع المتمردين الحوثيين). وفي إطار مواجهة المعارضة الداخلية من خلال قمع الأقليات الدينية، فإن الدكتاتورية السعودية ترى التهديدات والمخاطر تحيط بها من كل جانب. فهي ترى التهدايدات القادمة من وراء البحار متمثلة في العلمانيين والقوميين والحكومات الشيعية الحاكمة، وترى التهديدات الداخلية متمثلة في المواطنين السنة المعتدلين وفي الديمقراطيين والحركات النسائية، كما ترى أن التهديدات القادمة من داخل الزمرة الملكية تتمثل في أعضائها التقليديين والحداثيين. وفي مواجهة كل هذه التهديدات، إتجه النظام السعودي إلى تمويل وتدريب وتسليح شبكة دولية من الارهابيين الموجهين بشكل رئيسي نحو غزو وتدمير والهجوم على الأنظمة المعارضة لنظام الملالي الديكتاتوري في السعودية. للأسف، فإن عدم وجود دولة ذات سلطة أخلاقية أو إرادة حقيقية لمواجهة استخفافهم الوحشي بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المستمر في مقابل عائدات النفط، فضلا عن دعم النخبة السيئة المعتادة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، سيجعل السعوديون يستمرون في سفك الدماء وارتكاب المجازر.

http://fpif.org/saudi-crisis-deepens-part-2/

الاثنين، 23 مايو 2016

منظمة العفو الدولية تقول أنها وجدت قنابل عنقودية بريطانية الصنع في اليمن.

بقلم: ريتشارد سبنسر
صحيفة التيليغراف البريطانية
الإثنين 23 مايو 2016

ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب

قالت منظمة العفو الدولية اليوم أنه جرى استخدام قنابل عنقودية محضورة بريطانية الصنع من قبل التحالف الخليجي في حربه على اليمن، ودعت المنظمة إلى إجراء تحقيق في ما إذا كانت المملكة المتحدة قد انتهكت القانون.

وقالت منظمة حقوق الانسان انها اكتشفت أدلة على استخدام قنابل عنقودية برازيلية وأمريكية وبريطانية من قبل التحالف الدولي الذي تقوده كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي قامت بقصف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون نيابة عن الحكومة المعترف بها دوليا.

وكانت بريطانيا، بخلاف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والبرازيل، قد صادقت عام 2008 على الاتفاقية الدولية التي تحظر استخدام القنابل العنقودية، ودمرت مخزونها الخاص من تلك القنابل.

وكان القانون الذي سن الاتفاق قد حظر الرعايا البريطانيين في أي مكان من المساعدة على انتشار القنابل العنقودية.

ومع ذلك، يعتقد بأن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك مخزون تم شراءه من الشركات البريطانية المصنعة في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي.

ووجد باحثو منظمة العفو قنابل متفجرة جزئيا من أحد النماذج BL-755، والتي تم تصنيعها من قبل شركة (HE Ltd) البريطانية في السبعينات، وذلك في محافظة حجة اليمنية على بعد ستة أميال من الحدود السعودية.

وقد تم تصميم هذا النموذج ليتم إطلاقة بواسطة طائرة تورنادو التي باعت بريطانيا العشرات منها إلى المملكة العربية السعودية في العقود الأخيرة.

طائرات التورنادو السعودية لا تزال تحضى بدعم وخدمات الميكانيكيين البريطانيين وغيرهم من المتخصصين، وتطالب منظمة العفو بإجراء تحقيق حكومي لاكتشاف ما إذا كان هناك رعايا بريطانيين متورطين.

وصرحت المنظمة في بيانها "إن اكتشاف القنابل العنقودية هو أول دليل واضح على أن أعضاء التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد استخدموا ذخائر عنقودية بريطانية في هجمات مثيرة للجدل في اليمن".

"وبالنظر إلى أن المملكة المتحدة معروفه بامتلاكها لعدة مئات من الخبراء وموظفي الدعم الذين يعملون بشكل وثيق مع القوات الجوية الملكية السعودية، فإن منظمة العفو تحذر من أن أي تورط لموظفي المملكة المتحدة من شأنه أن يشكل خرقا واضحا للمسؤولية القانونية في المملكة المتحدة بموجب اتفاقية القنابل العنقودية".

وقال نشطاء ضد القنابل العنقودية بأن تصميمها الذي يرتكز على نثر عدد من "القنابل الصغيرة" على مساحة واسعة، يجعلها خطرا على المدنيين بشكل خاص. القنبلة نموذج BL-755 تتشضى إلى 147 قنبلة فرعية.

يمكن أن يجد الأطفال أجزاء لم تنفجر دون أن يدركوا أنها قنابل.

وقالت منظمة العفو انها وثقت عشر حالات منذ يوليو من العام الماضي، قتل فيها 16 مدنيا بينهم تسعة أطفال أو شوهوا بسبب القنابل العنقودية في اليمن.

وفي إحدى الحالات بالقرب من المكان الذي تم العثور فيه على القنابل العنقودية البريطانية، قتل طفل راعي أغنام يبلغ من العمر 12 عام وأصيب شقيقه البالغ من العمر تسع سنوات بجروح بعد أن التقط كل واحد منهما جزء وضرباهما ببعض مما أجبرهما على الفرار. في تلك الحالة، فإن الوصف الذي قدمه الناجي مطابقة لمواصفات قنبلة عنقودية أمريكية الصنع.

وقال أوليفر سبراغ، مدير مراقبة الأسلحة في منظمة العفو في المملكة المتحدة، بأنه ينبغي على بريطانيا وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وإجبار الدول التي لديها قنابل عنقودية بريطانية الصنع على تدمير مخزوناتهم.

وقال "بالنظر إلى أن هذا النوع من القنابل العنقودية من المرجح جدا أن تكون قد استخدمت في تركيبة طائرات تورنادو الحربية التي باعتها المملكة المتحدة إلى المملكة العربية السعودية، فإن هناك احتمال أيضا بأن موظفي الدعم البريطاني قد تورطوا في تفجير القنابل العنقودية في اليمن". وأضاف سبراغ "في حال تأكد هذا، فإن الفضيحة قد تكون مدوية"

لايزال وزير الخارجية فيليب هاموند يدافع بشدة عن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى المملكة العربية السعودية وسجلها في الحرب.

حيث قال المتحدث الرسمي بإسم الحكومة أن "المملكة المتحدة ليست عضوا في التحالف الذي تقوده السعودية". مضيفا "لا يشارك الجنود البريطانيين في تنفيذ الضربات وتوجيه أو إجراء العمليات في اليمن أو اختيار الأهداف، كما لا يشاركون في عملية صنع القرار السعودي المعني بتحديد الأهداف".

http://www.telegraph.co.uk/news/2016/05/22/british-made-cluster-bomb-found-in-yemen-amnesty-international-s/

الجمعة، 20 مايو 2016

إلى أين تمضي الحرب على اليمن؟

بقلم: كاثرين شاكدام.
مركز كاتيون الدولي للأبحاث والدراسات
15 مايو 2016

ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب

ما الفرق الذي صنعه عام من الحرب، في الواقع! منذ أكثر من سنة حتى الآن (مايو 2016) تعاني اليمن من هجوم عسكري سعودي لا هوادة فيه، وكل ذلك باسم إعادة الأمل ومكافحة الإرهاب وبناء الديمقراطية والسعي وراء سراب الاستقرار السياسي. لقد قيل لنا أن القنابل الملقاة والإنفجارات التي أعادت تشكيل اليمن ماهي إلا نزيف ولادة جديدة ليمن أفضل!

عندما أدى تجويع المجتمع إلى وفاة الأطفال، قيل لنا أن اليمن سيكون أفضل بذلك!

اليمن لاتشرب المساعدات الإنسانية المنعشة ... حسنا، هذه الجملة لا تعكس تماما الحقيقة على أرض الواقع. لم تتمكن المملكة من شراء معظم اليمنيين في مزادها السياسي لأنهم نأوا بجيوبهم بعيدا عن مصالح الرياض المباشرة. اليمنيون ليسوا أغبياء، فعلى الرغم من افتقارهم لكل التطور العلمي والتكنولوجي الغربي، إلا أن اليمنيين يدركون تماما اللعبة الجيوسياسية التي تجري حولهم. لايدركونها فقط، بل أنهم يواجهونها ويتصدون لها.

يؤسفني ياسادة أن أخبركم أن اليمن ليست فيلم غربي قديم ... اليمن لا تنتظر "الرجل الأبيض" السخي ليأتي وينقذها من نفسها. اليمن لا تحتاج إلى رعاية أجنبية أو نفوذ أجنبي، فهي قادرة تماما على إيجاد طريقها! بل أنها وجدت طريقها بالفعل، وهذا بالضبط هو ماجعل الرياض تشعر بالقهر لسقوط زعامتها على هذا البلد الفقير.

ولكن لا يهم، اليمن ستجد طريق العودة وستقوم باستعادة حقها في الحكم الذاتي والسيادة على أراضيها. سيجتهد اليمنيون في سبيل غايتهم وسيدافعون ويضغطون حتى تقف اليمن حرة مرة أخرى.

مقاومة اليمنيون تتم منذ فترة ليست بالقصيرة، لكن الإعلام هو من فشل في تقديم التقارير الصادقة والحقيقية عن اليمن. في الحقيقة، لو أن وسائل الإعلام كانت قد قامت بعملها وأخبرت جمهورها بالحقائق، لكان فهمكم للحرب في اليمن مختلفا كثيرا في الواقع. سأجرؤ على القول بأنه سيكون مختلفا جدا لدرجة ستجعلكم على الأرجح تطلقون على جماعة المقاومة التي يجسدها الحوثيون إسم مناضلي الحرية في اليمن، وليس المتمردين.

لايساورني الشك في أن الحوثيين لا يزال أمامهم طريق طويل ليقطعوه فيما يتعلق بالنضج السياسي - لم تبن روما في يوم واحد - ولكن رغم هذا، فقد استطاعوا وبنجاح خلق جبهة موحدة بعد أن كان الانقسام هو السائد.

بالنسبة لبلد مثل اليمن تعتبر فيه الخلافات وكأنها نوع من الرياضة الوطنية، فإن تحقيق التعددية السياسية مع الحفاظ على التماسك يعد عملا خارقا للعادة في زمن الحرب. وبغض النظر عن إخفاقاتهم الكثيرة، إلا أن الحوثيين مع ذلك قد أثبتوا أنهم قادرون على القيادة. لا تستطيع الكثير من الفصائل القبلية أن  تزعم أنها قد صمدت أمام غضب العديد من القوى العسكرية العظمى لأكثر من عام بينما تواجه حصارا إنسانيا مدمرا. أتمنى أن يتذكر اليمنيون بأن الحوثيين علموا اليمن كيف تتنفس الحرية في وجه الطغيان.

آمل أن يتذكر الناس هؤلاء الأبطال الذين أيقضوا روح اليمن لكي تتمكن الأمة من تذكر اسمها مرة أخرى.

الآن، دعونا نعود إلى السياسة في هذه الحرب على اليمن.

اسمحوا لي أن أبدأ القول بأن الحرب في اليمن أخذت منعطفا لم تكن المملكة العربية السعودية تتوقعة بالتأكيد. بكل إنصاف لا أعتقد أنه يمكن لأي شخص أن يتوقع أن الرياض قد تطلق العنان لجيوشها من المرتزقة على جنوب الجزيرة العربية لكي تمنع صعود يمن ديمقراطي. يبدو على الأرجح أن وفاة الملك عبد الله في أوائل 2015 هي التي حددت مصير اليمن ... وربما مصير المملكة أيضا.

لا يتم في الغالب إسقاط الإمبراطوريات والقوى المهيمنة بواسطة قوى أخرى أكبر منها، بل بشجاعة عدد قليل من الرجال الواثقين. في هذه القصة، يمكن أن يجسد الحوثيون دور داوود في مواجهة جالوت المملكة العربية السعودية. الوقت هو من سيخبرنا بصحة هذا الافتراض.

على الرغم من ان الحرب قد اندلعت في أواخر مارس 2015، إلا أن ​​نيرانها اشتعلت قبل ذلك بفترة طويلة، وقد شهدتم الشرارة الأولى لها في عام 2011 في أعقاب الثورة المصرية، حين حلمت اليمن بأن تكون خالية من الرئيس علي عبد الله صالح.

في الواقع، هذه ليست بالضبط الطريقة لتي سارت بها اليمن باتجاه الحرية السياسية، بل هذه هي الطريقة التي أخبروكم أن اليمن خرجت بها إلى الديمقراطية. إذا كان المصريون قد هتفوا لرحيل طاغيتهم الرئيس حسني مبارك، فإن اليمنيين طالبوا فقط بالإصلاحات، على الأقل في البداية، عندما كانت "الحركة الثورية" ما تزال نقية وشعبية حقا في طبيعتها.

القوى الأجنبية هي من قام بإعادة توجية الغضب الشعبي وحولته إلى سلاح سياسي لإسقاط نظام الرئيس صالح. كان تاريخ الرئيس صالح قد تجاوز مدة الصلاحية وأصبح غير ذي صلة إلى حد ما. وعندما أقول نظام الرئيس صالح، فإني أعني بذلك مجمل نظامه بما فيه ما يسمى بالمعارضة.

اسمحوا لي أن أوضح أكثر، يمكن بالطبع تأليف العديد من الكتب عن السياسة في اليمن، ولكني سأختصر قليلا في تلخيص الوضع السياسي اليمني.

لنعد قليلا إلى الوراء، في عام 2011 انقسمت التركيبة السياسية والعسكرية والقبلية في اليمن بين اثنين من العمالقة هما حزب المؤتمر الشعبي العام - الفصيل السياسي للرئيس صالح - وحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي عمل كمظلة لمختلف الجماعات الاسلامية اليمينية والتي تضم جماعة الإخوان المسلمين - سيئة السمعة الآن - وزعماء القبائل المقربون من رجال الدين الوهابيين في الرياض.

كنت قد شرحت في السابق كيف أن صعود الإصلاح للسلطة قد توافق تماما مع إضطهاد الدولة للحوثيين وحرب الانفصال في اليمن عام 1994. لم يكن الحوثيون حينها قد شكلوا أي تهديد عسكري لأنهم كانوا مجرد قبيلة من شمال اليمن تمسكت بالزيدية وأصرت على الحفاظ على التقاليد الدينية لليمن ورفض الوهابية، وهو مادفع الرياض للغضب.

كان حزب الإصلاح يعمل دائما كمادة عازلة بين سلطة الرئيس صالح والزيدية.

و تحت رئاسة قبيلة آل الأحمر، أصبح التجمع اليمني للإصلاح امتدادا لسلطة الرياض في اليمن، وأصبحوا المنافس الرئيسي لقبيلة الرئيس صالح نفسه، ولأسرته. ففي حين عين صالح افراد اسرته في المناصب العسكرية والسياسية الرئيسية في اليمن، كان لا يزال عليه أن يستوعب التجمع اليمني للإصلاح ويقدم لقيادته حصة من الكعكة السياسية. مرت السنوات ووجد اليمن نفسه محكوما من قبل آل الأحمر، وصالح.

جاءت انتفاضة اليمن في 2011 لتخل بهذا التوازن في السلطة. تم توجيه هذه الإنتفاضة لقلب توازن تلك القوى حتى تتمكن قوة جديدة من الصعود. وإذا كانت الصحوة السياسية في اليمن قد جائت بمثابة مفاجأة لكل من السعوديين والأميركيين، فإنها أيضا قد قدمت لهم فرصة لا يمكن تفويتها. فغالبا ما يتشكل أي نظام جديد ويخرج إلى الوجود من رحم الفوضى. كان يفترض بعام 2011 أن يدخل النظام الجديد إلى جنوب الجزيرة العربية ... ولولا وصول الحوثيين، لكانت الرياض قد نجحت في إجبار اليمن على الركوع لإرادتها الملكية.

ولكن لماذا قد ترغب الرياض في رحيل الرئيس صالح بينما يبذل مسؤوليها كل ما في وسعهم لحمايته آنذاك؟ سؤال جيد! مالذي قاموا بحمايته؟ الرجل، أم السلطة التي يمثلها؟ كما ترون، فقد أعطت الرياض القليل من الإهتمام لحياة صالح كونه كان لا يزال الوصي على الشرعية التي لايمكن أن تقبل المملكة بأن تراها مهددة. كانت أهمية الرئيس صالح تكمن في كونه طريقا إضطراريا لانتقال اليمن إلى أيدي الرياض، فهمت المملكة العربية السعودية جيدا مدى أمكانية سقوط اليمن سريعا في حالة من الفوضى الحقيقية إن لم يكن هناك قبضة قوية تحافظ عليها. كان يمكن السماح بالفوضى إذا كانت فقط موجهة بشكل صحيح.

لن أدّعي أنني مطلعة على خفايا سياسة الرياض، لكني سأغامر بطرح نظرية تشرح سبب رغبة الرياض في رحيل صالح. لم يكن الرئيس صالح هو من يمثل التهديد الأكبر، بل كان الشخص المحدد لخلافته: الجنرال أحمد علي عبد الله صالح، النجل الأكبر للرئيس وقائد الحرس الجمهوري. كان الجنرال أحمد صالح، ولا يزال، قائدا محبوبا جدا باعتباره قامة عسكرية محورية. ليس ذلك فحسب، بل باعتباره الرجل الذي يتحمل من أجل اليمن والذي قد يرغب الملايين في رؤيته.

إذا كان الجنرال أحمد يشبه أباه إلى حد كبير في فهم السياسة الداخلية والخارجية لليمن، فإنه أيضا رجل مثقف وعصري يريد أن يرى بلاده تستعيد مكانتها الرائدة في جنوب الجزيرة العربية. وإذا كان الرئيس علي عبدالله صالح قد تحول بطريقة ما من رجل قبيلة إلى رئيس، فإن الجنرال أحمد صالح كان رجلا عسكريا يطمح في تحويل اليمن إلى أول جمهورية عملية في الجزيرة العربية من خلال ترويض كلا من القبلية والوهابية. وغني عن القول أن المملكة كان لديها مشكلة مع ذلك لأن الرياض لم تكن فقط ترغب في تكريس القبلية في اليمن، كون ذلك يمنحها قدرا أكبر من السيطرة، بل لأنها أيضا أرادت أن ترى الوهابية وقد أصبحت دين الدولة في اليمن.

إعتلاء الجنرال للرئاسة قد يجعل كل ما سبق ذكره مستحيلا، وهو مايعني بالتالي فشله عسكريا وسياسيا. يقبع الجنرال أحمد الآن تحت الإقامة الجبرية في دولة الإمارات العربية المتحدة ... تذكروا تلك التفاصيل لأنها مهمة جدا.

قبل الاطاحة به من السلطة في عام 2012، عين الرئيس صالح ابنه سفيرا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم أن هذه الخطوة قد بدت غريبة بعض الشيء، إذ كيف يمكن للمرء أن يتحول من حاكم على النخبة العسكرية في اليمن الى مسؤول في مكتب مغمور في الخارج! غير أن هذه الخطوة تنم فعلا عن الذكاء السياسي للرئيس صالح. لا تقللوا من قدرة هذا الرجل على المناورة في سبيل عودته إلى قمة السلطة، لقد فعل الكثيرون ذلك في الماضي وتمكنوا من معالجة الرضوض والكدمات التي أصابتهم.

أرسل الرئيس صالح ابنه إلى المكان الذي سيكون فيه أكثر أمانا، وهو المكان الذي قد يتمكن فيه من اتخاذ الترتيبات اللازمة لعودة رائعة. لا تتفاجئوا إذا عاد الجنرال أحمد صالح إلى اليمن في المستقبل القريب، ليس باعتباره نجل الرئيس اليمني السابق، ولكن باعتباره الرئيس نفسه....

قد تتسألون كيف ولماذا؟

لم يتم بعد كتابة كيف سيتم ذلك، ولكن إليكم لماذا: لأن الجنرال أحمد صالح لديه العديد من الأصدقاء! لازال يملك صديق قوي في دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. فهو يشترك مع الإمارات في نفورها العميق من جماعة الإخوان المسلمين، ويشترك مع الولايات المتحدة في فهمها للتطرف، كما أنه لا يحمل أي كراهية حيال إيران.

كل هذه الصفات تجعل منه المرشح الطبيعي للرئاسة! دعونا لا نخدع أنفسنا ونعتقد بأن الرؤساء يتم اختيارهم من قبل الشعب. فالرؤساء يتم صناعتهم، لا انتخابهم.

في حالة الجنرال أحمد صالح، فإن رئاسته قد تحضى بالشعبية على الرغم من أنها يمكن أن تكون مختلفة! لا يمانع الملايين من اليمنيين في أن يمسك رجل عسكري قوي من ذوي الخبرة بمقاليد السلطة. تعيينه سفيرا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة لم تكن خطوة عفوية، بل كانت استراتيجية.

ففي حين يتحالف الرئيس صالح مع مقاومة الحوثيين للاطاحة بالمملكة العربية السعودية من اليمن، ينتظر إبنه بصبر قدوم رياح التحويل.

في حرصهم على شن حرب لاستعادة السيطرة على اليمن، لم يدرك آل سعود أنهم قد عجلوا بتحريرها. فلولا خيانة الرياض للرئيس صالح ودعمها التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) - وهو التحرك الذي أغضب الإمارات العربية المتحدة بشكل عميق - لما قام الرجل القوي السابق في اليمن بإعادة بناء الجسور بينه وبين الحوثيين ليشكلوا معا حركة مقاومة عملاقة.

http://katehon.com/article/muddy-political-waters-where-did-yemens-war-go-wrong