بقلم: جوزيف كوزا
الثلاثاء 3 مايو 2016
منظمة فير أوبزيرفر الأمريكية
ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب
مسودة الدستور اليمني الجديد لا تضع آليات لتقاسم السلطة كافية لضمان قدرتها على البقاء. وكانت لجنة صياغة الدستور قد انتهت في يناير 2015 من إعداد اقتراح شكل الدولة اليمنية لما بعد الحرب، وقد نصت الوثيقة على إنشاء دولة فيدرالية من ستة أقاليم. رفض المتمردون الحوثيون هذه الوثيقة على الفور. يعارض الحوثيون التقسيم الفيدرالي السداسي على وجه الخصوص، ويفضلون بدلا من ذلك شكل الإقليمين بين الشمال والجنوب والذي من شأنه تعزيز مكاسبهم في زمن الحرب. هذا الحل بعيد الإحتمال نظرا لأنه يمكن أن يؤدي إلى الانفصال النهائي لجنوب اليمن. وبعيدا عن قضية التقسيم الإقليمي، خلقت مسودة الدستور هيكلا مؤسسيا غير مستقر لايضع آليات كافية لتقاسم السلطة تضمن قدرتها على البقاء.
ونظرا لكون المفاوضين مجتمعين في الكويت لاستئناف المحادثات، فمن المهم النظر إلى نظام بديل لبناء المؤسسات لمرحلة ما بعد الصراع. فبدلا من النظام الرئاسي المقترح في مشروع الوثيقة، يجب على واضعي الدستور الجديد اقتراح نظام شبه رئاسي ونموذج توافقي يتبنى جوانب الهياكل الدستورية الأخرى لما بعد الصراع في المجتمعات المنقسمة بعمق.
التوافقية في المجتمعات التي تعيش انقساما حادا:
لطالما كان نظام الحكم التوافقي نظرية بارزة ومثيرة للجدل في مسألة بناء المؤسسات بعد الصراع منذ ما يقرب من نصف قرن. وكان آريند يجبهارت هو أول من اقترح نظرية الديمقراطية التوافقية في كتابه الذي أصدره عام 1969، وقد تم تطبيق هذه النظرية في الدول التي تحتوي على التنوع السكاني مثل أيرلندا الشمالية ولبنان والعراق. يبحث التوافقيون عن "حل ديمقراطي للمجتمعات لمواجهة الانقسام العرقي المتين والصراع السياسي الدائم". وللقيام بذلك، يتم بناء المؤسسات لضمان كلا من الحكم الذاتي الإقليمي وتقاسم السلطة التنفيذية ضمن دولة فيدرالية في كثير من الأحيان. يتبنى مناصري نظرية التوافق أربعة مبادئ رئيسية هي: تقاسم السلطة التنفيذية، الحكم الذاتي، التناسب، وحق النقض.
لا تخلو نظرية نظام الحكم التوافقي من الإنتقاد. حيث يعتقد الكثيرون أن الأنظمة التوافقية ترسخ الانقسامات الطائفية وتمنح الامتياز للنخب الطائفية و استرضاء الفصائل الراديكالية وتفشل في أن تؤدي إلى قيام دولة متكاملة متماسكة. ولكن على الرغم من هذه الانتقادات، فأن الهياكل التوافقية تضمن بناء الثقة بين الفصائل التي من غير المحتمل أن تندمج مع بعضها في المدى القصير وتضمن اشراك القوى الراديكاليه في النظام بدلا من ابقائها خارجه حيث يمكن حينها أن تكون قوى لزعزعة الاستقرار. كما أن التناسب وحق النقض الذي يؤمنه النظام التوافقي يضمن أيضا الإنصاف ويبني الثقة في النظام.
تقاسم السلطة التنفيذية:
لاتوجد وصفة توافقية واحدة للمجتمع، فالدول المنقسمة بشدة التي طبقت مفهوم الهياكل التوافقية فعلت ذلك بطرق مختلفة. يمكن أن يكون هناك هيكل توافقي في اليمن يختلف كثيرا عن الهيكل الوارد في مسودة الدستور من شأنه أن يخلق احتمالا أفضل للسلام. أولا، يمكن بالتأكيد التحول من النظام الرئاسي إلى نظام شبه رئاسي وإعادة تقييم الهيكل الاتحادي ذو الستة أقاليم في ضوء المعارضة الكبيرة الحوثيين.
تقاسم السلطة التنفيذية يمثل جانبا هاما من الأنظمة التوافقية ويضمن تساوي الأصوات في حكم دولة منقسمة بشدة. تدعو مسودة الدستور الحالي لليمن بأن الرئيس ونائب الرئيس يجب أن يكونا من مناطق مختلفة (المادة 180). ومع ذلك، فإن نظام شبه رئاسي مع رئيس ضعيف يعتبر بنية أكثر استقرارا لحالات ما بعد الصراع خاصة في الدول التي لديها تاريخ من سوء معاملة السلطة المركزية. لذلك، يمكن للنموذج التنفيذي الذي تستخدمه أيرلندا الشمالية أن يكون أكثر فعالية. يوفر هذا النموذج سلطات متساوية لرئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء، واحد من الشمال والآخر من الجنوب. ويجب أن يكونا قد انتخبا في بطاقة انتخابية مشتركة تخضع للتصويت داخل المجتمع تتطلب إما "التوافق المتوازي" مع أغلبية الممثلين عن كل من الشمال والجنوب، أو "الأغلبية المرجحة" مع 40٪ من ممثلين عن كل من الشمال والجنوب و60 ٪ من البرلمان بأكمله.
هذا بدوره يعني أن استقالة احدهما تؤدي تلقائيا لاستقالة الآخر. ولضمان التمثيل المناسب في السلطة التنفيذية، يجب استخدام طريقة ديفوار هوند في تعيين المناصب الوزارية، وهي الطريقة التي يتم فيها منح أكبر الأحزاب المناصب التي تتناسب مع حصتها من الأصوات دون الحاجة إلى المفاوضات الائتلافية. وينبغي أن تكون صلاحيات الرئيس محدودة ومقصورة على القيام بالمراسيم ولفترة واحدة مدتها ست سنوات بحيث يتم اختياره من قبل البرلمان عن طريق تصويت داخلي على أن يكون هناك تناوب في منصب الرئيس في كل فترة بين الشمال والجنوب.
الحكم الذاتي:
لعب الحكم الذاتي دورا حاسما في مسودة الدستور الجديد لليمن. مع ذلك، تم بشدة رفض الأسلوب الحالي في تقسيم الأقاليم. في ضوء هذا الرفض، قد يكون النموذج الفيدرالي العراقي بديلا أفضل. يمكن للدولة وفق هذا النموذج أن تحتفظ بمحافظاتها الواحد والعشرين الحالية والتي قد يتم منحها صلاحيات معينة. عندئذ يمكن أن تعطى هذه المحافظات خيار الانضمام معا لتشكيل الأقاليم التي من شأنها أن تمنحها صلاحيات إضافية، وذلك عن طريق الاستفتاء.
يمكن من خلال هذا النظام أن يتم تشكيل الأقاليم بطريقة دستورية مستندة على الإرادة الشعبية. وعلى الرغم من أن هذا النظام لا يستبعد إمكانية قيام دولة من إقليمين، إلا أنه يخلق العوائق أمام هذه النتيجة. يخشى البعض في العراق أن هذا النموذج من شأنه أن يؤدي إلى مناطق سنية وشيعية كبيرة. ولكن هذا لم يحدث قط. ستعطى كل محافظة ممثلين في المجلس الاتحادي وسيتم تعيين ممثلين إضافيين لكل إقليم يتم تشكيله من المحافظات. وتماشيا مع مسودة الدستور الحالي، يمكن أن تعطى محافظتي صنعاء وعدن وضعا خاصا لا يسمح لها بالانضمام للأقاليم.
التناسب:
النظام الانتخابي النسبي يضمن التمثيل العادل لرغبات المواطنين. النموذج المثالي هو التمثيل النسبي مع تصويت واحد قابل للتحويل في المناطق متعددة أعضاء، وهو مايعرف بنظام (PR-STV) الإنتخابي. هذا النظام من شأنه أن يسمح بنمو العديد من الأحزاب والتعبير عن رغبات متعددة في صناديق الاقتراع. تنفيذ نظام الانتخابات النسبي على المستويين المحلي والوطني قد يوفر أيضا قدرا أكبر من التمثيل لقبائل اليمن ويسمح لهم بالتنافس ضد الأحزاب الكبيرة التي لاتحضى بالرغبة لدى كثير من المواطنين. كما جاء في مسودة الدستور أن الجنوب ينبغي أن يمثل بحصة 40٪ (المادة 139).
حق النقض:
يضمن مفهوم حق النقض أنه لا الشمال ولا الجنوب يمكنه أن يسيطر على العملية التشريعية. يجب أن تتوافر أساليب التصويت المذكورة أعلاه - التوافق المتوازي والأغلبية المرجحة - كأساس لتمرير التشريعات التي من شأنها أن يكون لها تأثير كبير على الدولة أو من شأنها أن تؤثر بشكل متفاوت سواء في الشمال أو الجنوب. ويجب على المجلس الاتحادي أيضا الحصول على دعم ما لا يقل عن ثلث الممثلين من الجنوب لتمرير أي جزء من التشريعات (المادة 143).
اليمن أولا:
لمكافحة الضغوط الخارجية المفروضة من قبل المملكة العربية السعودية وإيران، ينبغي النظر في حكم مماثل لما هو حاصل في لبنان، يتم بموجبه التخلي عن الانتماءات الإقليمية والإستعاضة عنها بسياسة "اليمن أولا". بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم التأكيد على نزع كامل السلاح للقوات المتمردة ومساواة تمثيل الجنوب والشمال في الجيش.
حرية الدين وحقوق الأقليات يجب أن تكون مضمونة ويجب احترام القانون والتقاليد العرفية لمختلف قبائل اليمن. ولهذا، ينبغي النظر في مبدأ التوافق وضمان أن أي تفكيك لليمن سيخضع للاستفتاء على مستوى الأمة. الدستور الجديد قد يحتاج أيضا إلى توفير قدر أكبر من الوضوح بشأن تقسيم السلطات بين مختلف المستويات الحكومية وتخصيص عائدات الموارد الطبيعية.
هناك تفاؤل متجدد من أجل السلام نتيجة لاجتماع الطرفين في الكويت لعقد جولة جديدة من المفاوضات. ومن أجل سلام جديد دائم، يجب مع ذلك أن تبنى المؤسسات المناسبة لضمان الاستقرار والثقة من خلال تقاسم السلطة. الهيكل التوافقي يمكن أن يوفر أفضل وسيلة لحل الصراع وبناء الثقة بين الشمال والجنوب وضمان الحكم الذاتي في إطار نظام فدرالي شبه رئاسي.
http://www.fairobserver.com/region/middle_east_north_africa/can-consociationalism-save-yemen-11272/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق