بقلم: نوال المقحفي *
موقع ميدل ايست آي البريطاني
الأربعاء 4 مايو 2016
ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب
عند مشاهدة وفدهم وهو يخرج من طائرة خاصة في مطار الكويت الاسبوع الماضي، كان من الواضح أن الحوثيين في الواقع قد قطعوا شوطا طويلا. لقد انتقلوا - في غضون أشهر - من حالة شبه الغموض إلى مستويات غير مسبوقة من الهيبة والسلطة. أو كما قال أحدهم، "من كهوف صعدة إلى جبال صنعاء".
تذكرت أول لقائي مع اعضاء وفد الحوثيين، كان ذلك عندما ذهبوا للتسوق في شوارع جنيف خلال الجولة الأولى من محادثات السلام في العام الماضي. كانت تلك هي المرة الأولى التي يسافر فيها العديد منهم خارج حدود اليمن. واليوم هاهم حيث نرى، يخرجون على السجادة الحمراء وفي استقبالهم كبار المسؤولين من وزارة الخارجية الكويتية.
على الرغم من أن المحادثات الحالية في الكويت قد بدأت منذ أكثر من أسبوعين، إلا أنه لايوجد هناك أي تقدم يذكر. كانوا قد بدأوا مترددين، حيث وصل وفد الحوثيين / صالح متأخرين ثلاثة أيام عن الموعد احتجاجا على أن حقيقة وقف إطلاق النار كانت إسمية فقط ولم يتم احترامها من قبل الطرف الآخر. ومنذ بداية المفاوضات، ضلوا دائما يطلبون وقف كامل لإطلاق النار وليس مجرد "وقف الأعمال العدائية". وعندما وصل مندوبيهم إلى الكويت، أمضوا اليومين الأولين يجادلون حول هذه النقطة بعينها.
وزير الشؤون الخارجية الكويتي، الذي كان يائسا من تحقيق ضربة دبلوماسية موفقة لصالح بلاده، توجه على الفور إلى الرياض لاجراء محادثات مع السعوديين في هذا الشأن. وعلى الرغم من التقارير التي رصدت قيام طائرات التحالف بدوريات في المجال الجوي اليمني بعد تلك الزيارة، إلا أن عدد الغارات الجوية كان قليل نسبيا منذ ذلك الحين. وهذه نتائج إيجابية بالفعل.
بالنسبة للكثيرين، أظهر هذا التحول الواضح في السياسة السعودية الحاجة الماسة من جانبهم للتوصل إلى تسوية. مع ذلك، فإنه برغم تزايد المؤشرات حول محاولات الرياض المستميتة للخروج من هذا الصراع، إلا أن عدد من الدبلوماسيين الأجانب الذين تحدثت معهم يصرون على أن السعوديين ليسوا على استعداد للبحث عن مخرج بأي ثمن. لا يزال العديد منهم يتوقعون، أو يأملون، في نوع من الانتصار.
وعلى الرغم من التأخير لمدة ثلاثة أيام في الكويت، إلا أن المحادثات المباشرة بين الحوثيين والسعودية كانت جارية منذ أسابيع وحققت بالفعل تقدما كبيرا. وقد أسفرت هذه التفاهمات حتى الآن إلى عدة تدابير لبناء الثقة شملت تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار على الحدود. بالإضافة أيضا للإتفاق على وقف الأعمال العدائية - سواء كانت الهجمات التي ينفذها الحوثيون عبر الحدود أو القصف الذي تنفذه قوات التحالف في شمال اليمن - حيث تم تعليق تلك العمليات منذ ذلك الحين.
أخبرني دبلوماسي كبير أن "الرياض هي المكان الذي تجري في المحادثات حقا". سألته أنا: ماذا عن الرئيس هادي وحكومته؟. فأجاب "في مرحلة ما، سيتوجب عليهم القبول بالرحيل". حينها تذكرت التقارير الأخيرة من اليمن، والتي تشير إلى أن العديد من وزراء هادي كانوا مشغولين ببيع عقاراتهم وممتلكاتهم في البلاد. أردت أن أقول له انهم على مايبدو قد جاءوا بكل بساطة للتفاهم حول مصيرهم وشراء الوقت.
لامزيد من القتال لأجل هادي
سألت الدبلوماسي: في حال عقد الحوثيين والسعوديين صفقة، مالذي سيحدث للقوات التي تقاتل على الارض من أجل هادي، مثل الميليشيات الموجودة في تعز وعدن؟ أجاب "أعتقد أننا قد عرفنا منذ فترة أن هذه القوات ليست تحت سيطرة هادي، وأنهم بالتأكيد لا يحاربون من أجله".
كنت قد كتبت حول هذا الشيء من قبل ولكن لم يصدقه أحد. غير أن الاستماع الى دبلوماسي بارز يذكر ذلك صراحة كان صادما. الفكرة التي تقول إن العشرات من الميليشيات المسلحة التي تجوب جميع أنحاء البلاد حاليا لا تخضع لسيطرة أي جهة هي فكرة مخيفة جدا تؤكد المخاوف من أنه حتى في حال التوصل الى اتفاق سلام في اليمن فإننا قد لا نرى السلام لسنوات، وربما لعقود قادمة.
الانتقادات الدولية للمملكة العربية السعودية كانت شديدة حيال الغارات الجوية لطائرات التحالف والمسؤولة عن غالبية الإصابات في صفوف المدنيين، بما في ذلك الغارة الجوية 27 فبراير في سوق في صنعاء والتي أسفرت عن مقتل 32 مدنيا على الاقل، وغارة جوية ثانية في 15 مارس على سوق آخر في محافظة حجة أسفرت عن مقتل 106 شخصا على الأقل، وفقا لتقارير وسائل الاعلام.
يوم 25 فبراير، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارا غير ملزم يدعو إلى فرض حظر الأسلحة على المملكة العربية السعودية. وفي 22 مارس، أي بعد شهر، أصدرت ثماني منظمات غير حكومية من بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بيانا مشتركا تدعو فيه جميع الحكومات إلى وقف توريد الأسلحة إلى جميع الأطراف في الصراع. و أكدت هيومن رايتس ووتش في مؤتمر صحفي من أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص يجب أن توقف بارسال الاسلحة الى السعودية إلى أن تنهي هذه الأخيرة الضربات الجوية "غير القانونية" وتحقق في الانتهاكات المزعومة بمصداقية.
وسط تصاعد الضغوط الدولية، كان هناك حديث مستمر عن قرار وشيك لمجلس الأمن الدولي حول اليمن. لكن ثبت أنه مجرد تهديد أجوف إلى حد كبير في ظل النفوذ السياسي الكبير للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة.
في شهر مارس الماضي، بدأ أعضاء مجلس الأمن بقيادة نيوزيلندا في مناقشة حيثيات قرار يغطي قضايا وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، غير أن هذا القرار "تم تعليقه في ضوء التطورات السياسية". ورغم ذلك فقد برهنت التهديدات أنها كانت حافزا فعالا في إجبار السعوديين وحكومة هادي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بالإضافة ألى محادثات ثنائية بين الحوثيين والسعوديين في وقت لاحق.
وبالرغم من ذلك، فأن مع كل جولة من المحادثات، يتم تأمين خطوة إلى الأمام ببطء ولكن بثبات. لقد قطعنا شوطا طويلا مقارنة بما شهدناه من مقاطعة وتراشق بالأحذية خلال الجولة الأولى في جنيف. أما الجولة الثانية، فعلى الرغم من فشلها في التوصل الى اتفاق، إلا أنها كسرت الجليد بنجاح ورأينا الطرفان يلتقيان في نفس المكان لأول مرة.
غير أن هذه الجولة الثالثة من المحادثات في الكويت هي الجولة التي يبدأ فيها العمل الجاد والشاق فعلا. فقد اتفق الجانبان على خطة من خمس نقاط تستند إلى قرار الأمم المتحدة رقم 2216 الذي ينص على ما يلي:
- انسحاب الميليشيات والجماعات المسلحة.
- تسليم الأسلحة الثقيلة.
- الترتيبات الأمنية المؤقتة واستعادة مؤسسات الدولة.
- استئناف الحوار السياسي الشامل.
- إنشاء لجنة للسجناء والمعتقلين.
مع ذلك، فإن المشكلة ليست في هذه النقاط بحد ذاتها - لأن الوفدين قد قبلا بها بالفعل - بل في كيفية تنفيذها. حيث يتركز الخلاف حول ما إذا كان ينبغي أن يتم تنفيذ ذلك بشكل متتالي أم بالتوازي مع العملية السياسية. الكيفية التي سيتم بها حل هذا المأزق من المحتمل أنها ستحدد من سيكون "الفائز" أو "الخاسر" في هذا الصراع.
يصر الحوثيون أن الخطة يجب أن تنفذ بالتوازي مع العملية السياسية، ولا سيما تشكيل الحكومة أو هيئة تابعة الدولة تكون شاملة لجميع الفصائل تقوم باستلام الأسلحة. مع ذلك يرى وفد حكومة هادي ضرورة تسليم الأسلحة والانسحاب من المدن التي يسيطر عليها الحوثيين - وهو مايعني الاستسلام الكامل - كشرط مسبق وحاسم قبل البدء في العملية السياسية. وهو الخيار الذي من الواضح أن الحوثيين ليسوا مستعدين للنظر فيه بعد أن قطعوا كل هذا الشوط في الصراع.
من جانبها، فإن التحركات الأخيرة للمملكة العربية السعودية المتمثلة في الحد من الضربات الجوية العسكرية وعقد صفقة مع الحوثيين لتأمين حدودها مع اليمن، قد أظهرت حسن نيتها ولكنها في نفس الوقت تثير تساؤلات حول ما إذا كان السعوديون لا يزالوا يشتركون نفس الأجندة مع حكومة هادي، وهو مايضع الأخيرة في موقف حساس للغاية.
هل سيتخلى السعوديون عن هادي؟
هل سيواصل السعوديون دعمهم لهادي؟ أم أنهم على وشك تقليل خسائرهم والتوصل الى اتفاق مع الحوثيين وراء الأبواب المغلقة؟
في آخر التطورات، حرص الحوثيون على اظهار أنهم قادرون ومستعدون لمواصلة القتال وشنوا هجوما على معسكر العمالقة يوم الاحد مما أسفر عن مقتل عدة جنود مخترقين بذلك وقف إطلاق النار الذي كانوا قد دفعوا إليه بشدة. وخلافا لمعظم الجنود الحكوميين الآخرين، فقد رفض الجنود في معسكر العمالقة الانحياز لأي جانب في الحرب بين الحوثيين المتحالفين مع ايران وحكومة هادي المدعومة من السعودية.
الحوثيين، الذين كانوا يتسامحون مع هذا الحياد حتى الآن، شنوا هجوما مباغتا عند الفجر على المنشأة في محافظة عمران واستولوا على مخبأ كبير للأسلحة. كان من الواضح أن الغرض من هذا هو استفزاز وترهيب الحكومة اليمنية التي ردت على هذا الاستفزاز بتعليق المحادثات المباشرة مع الحوثيين، رغم أنها لم تنسحب تماما من المحادثات.
أخبرني مصدر مقرب من المؤتمر الشعبي العام المتحالف مع الحوثي قائلا "نحاول تهدئة الوضع في اسرع وقت ممكن". غير أن مصدر آخر، وهو مسؤول حوثي، أصر في وقت لاحق على أن السعوديين والموالين لهادي يجب "أن يفهموا أننا سنستمر في القتال اذا توجب علينا ذلك". ذكرني هذا بشيء قاله لي زعيم الحوثيين ذات مرة، عندما التقينا في صعدة قبل خمس سنوات، حيث قال "سنقاتل حتى آخر رجل واقف". إنه احتمال مرعب.
التحول في لهجة الحوثيين
التغيير الأخير في الخطاب الإعلامي للحوثي بشأن المملكة العربية السعودية يظهر بالفعل أن هناك صفقة تتشكل بغض النظر عن تفاصيلها. وخلال مقابلة مثيرة للاهتمام أجراها محمد عبدالسلام رئيس الوفد الحوثي مع صحيفة الوطن السعودية تبعها مقابلات أخرى مع قناة البي بي سي وقناة المسيرة، أشار عبدالسلام إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها جارة اليمن و"الشقيقة الكبرى". كانت صيغة الوصف هذا غير متوقعة من عبدالسلام، حيث كانت هناك شائعات بأنه ربما قد تم التلاعب بكلماته أو إخراجها عن سياقها. لقد كنت متشككة جدا لهذا قررت أن أسأله بنفسي فيما إذا كانت تعليقاته تلك ملفقة؟ لكنه أجابني بابتسامة ماكرة "لا".
لوحظ حدوث تغيير حتى في موقف الأمم المتحدة. ففي حين كانت تصريحاتها السابقة تدعو إلى تسليم الأسلحة إلى "الحكومة اليمنية"، إلا أنها بدلا من ذلك أصدرت مؤخرا بيان تدعو فيه لنقل الأسلحة إلى "سيطرة الدولة".
ببساطة، فإن هذه الجولة الحالية من المحادثات - وكما يكررها دائما مبعوث الامم المتحدة - "هي أقرب ماوصلت له اليمن للحصول على السلام"، و ربما تكون الفرصة الأخيرة لأطراف النزاع للتوصل إلى حل من خلال الوسائل الدبلوماسية.
بشكل عام، هناك طريقان يمكن أن تتجه إليها الأحداث من هنا. إما أن يدرك الحوثيون بأن هذا أفضل مايمكنهم الحصول عليه، كذلك أيضا، تتقبل الحكومة اليمنية حقيقة أنها لن تكون قادرة على العودة إلى اليمن (حقا، هل لايزالون فعلا يرغبون بالعودة؟)؛ أو أن يقرر كلا الجانبين مواصلة القتال على الأرض والتسبب في مزيد من المعاناة الإنسانية والهلاك الكلي للاقتصاد. ليست مبالغة بهدف إثارة القلق حين نقول أن 50% من السكان يقتربون بالفعل من المجاعة، كما أن الآثار المترتبة على مزيد من الانهيار مرعبة بشكل يفوق الخيال.
قبل سفري إلى الكويت لتغطية هذه الجولة الحالية من محادثات السلام، كنت اقرأ عن مأساة البوسنة في تسعينيات القرن الماضي وتأثرت جدا باقتباس محدد بعينة، فبينما كان رئيس البوسنة آنذاك، حارث سيلاجيتش، يجلس حول طاولة المفاوضات في الجولة الثالثة من محادثات السلام، حدث نفسه قائلا "آمل أنهم هذه المرة قد اصطحبوا ضمائرهم معهم".
عند مغادرتي الكويت، كنت اتذكر أن الوضع على الأرض في اليمن مستمرا في التدهور. لا أستطيع التنبؤ فيما اذا كان وطني الأم سيشهد السلام في وقت قريب، ولكن كل ما أستطيع أن أتمناه هو أن أعضاء الوفود حين يحضرون في محادثات الغد، سوف يجلبون ضمائرهم معهم.
* نوال المقحفي، صحفية ومخرجة بريطانية / يمنية. لديها العديد من الأعمال المميزة في القناة 4، بي بي سي أخبار، بي بي سي العالمية وبي بي سي العربية، وغيرها.
http://www.middleeasteye.net/columns/yemen-peace-talks-kuwait-1-999874964
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق