بقلم: كاثرين شاكدام
مركز كاتيون الدولي للأبحاث والدراسات
الأربعاء 10 مايو 2016
ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب
إذا كانت اليمن هي الحرب المنسية في جيلنا، والقصة التي لم يرويها أحد عن الحرب العنيفة للاحتلال الكهنوتي الديني، فإن اليمن قد عانت أيضا من التعصب السياسي و التحيز الكبير لوسائل الإعلام. في عالمنا المعاصر، تجري الصراعات المسلحة على الأرض بالقدر نفسه الذي تجري عليه عبر موجات الأثير. ففي هذا المجتمع العالمي الذي نعيش فيه جميعنا، تصبح القدرة على الإدراك والفهم هي الأساس المطلق لكل شيء.
إن القدرة على الفهم، أو بالأحرى، معالجة الواقع، قد سمحت للقوى الغربية بلعب دور الإمبريالية لأكثر من عقد من الزمن في حين تغطي نفسها بالقناع المقدس للديموقراطية. يمكن للقدرة على الإدراك اليوم أن تحول مجرمي الحرب إلى أبطال، والمناضلين من أجل الحرية إلى معارضين خطرين. تذكروا أن كلمات مثل "المنشقين أو المقاتلين المتمردين" هي غالبا العدسات الدلالية التي يتم من خلالها تصوير الحوثيين.
باعتبارهم منبوذين وسط جميع المنبوذين، فقد تم اطلاق العديد من الأسماء على الحوثيين واتهامهم بالعديد من الأعمال التي لم تعرض أي جانب من الحقيقة على الإطلاق. ما يزعج حقا هو أنه نادرا ما يتم النظر إلى هذا الفصيل القبلي بتأمل لفهم الحراك الذي يتبناه قاداته، ليس من أجل أنفسهم، ولكن من أجل الشعب الذي يمثلوه في نضالهم.
ولكن دعونا أولا نعرج على الأكاذيب الرئيسية التي قيلت لكم عن اليمن!
ما الذي قيل لك عن حرب اليمن؟ ما الذي تعتقد أنه صحيح في هذه الفوضى التي تعصف بجنوب الجزيرة العربية؟ إذا كنت مثل الملايين، بل وربما المليارات من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يعتمدون على وسائل الإعلام الرئيسية لمعرفة مايدور على الأرض، فإنك ستفاجأ تماما حين تعرف أنه "قد تم الكذب عليك". كلا، اسمحوا لي أن أعيد صياغة الجملة، لقد تعرضتم للخديعة وتم التلاعب بعقولكم لتتوافق مع الخطاب السياسي للسعودية، بحيث تتمكن حكوماتكم (الحكومات الغربية) من تبرير دعمها للإمبريالية بينما تستمر في الإدعاء بأن الديمقراطية على قيد الحياة وبصحة جيدة.
من العدالة أن هذا التلاعب ليس محكما.
لطالما تم الترويج لحرب اليمن باعتبارها حرب تهدف لاستعادة الديمقراطية في مساعي غيورة قام بها النظام السعودي لإنقاذ اليمن من طغيان الحوثيين وتطرف تنظيم القاعدة. لقد قيل لنا أيضا، في مناسبات قليلة، أن الحرب في اليمن كانت حربا للدفاع عن النفس. لا زلت أتذكر لورانس كورب، المحلل المختص في الأمن القومي والسياسة الخارحية للولايات المتحدة وهو يؤكد خلال نقاش جرى مؤخرا حول اليمن بأن المملكة العربية السعودية لها كل الحق في الدفاع عن سيادتها وأمنها الوطني!
على الرغم من أني شخصيا أحترم المبدأ الذي يقول أن كل أمة ذات سيادة تتمتع بحق طبيعي غير قابل للمصادرة في الدفاع عن النفس... بمن في ذلك الفلسطينيين، إلا أنني لست متأكدة تماما من أن هذا المبدأ ينطبق على مملكة آل سعود.
أي سبب ذلك الذي قد يجعل المملكة العربية السعودية تخشى على سيادتها؟ بالطبع لايوجد مبرر لذلك مالم يكن أن اليمن تقف إلى حد ما على امتداد المملكة. في هذه الحالة فقط أستطيع أن أرى مدى الخطر الحوثي على الرياض. إن أي سلطة دينية كتلك التي في المملكة لاتحبذ المناضلين في سبيل الحرية! أستطيع أن أرى كيف أن الحوثيين قد يشكلون تحديا صعبا لهذا البلد الذي لا يمكن أن يطوع نفسه للسماح للنساء بحمل رخصة لقيادة السيارة.
هل يمكنكم أن تتخيلوا وجود دعوات تطالب بالديمقراطية والشفافية والمساءلة السياسية في السعودية؟ لم يدرك الجسورون من هؤلاء الناس أنه في أرض آل سعود لايسمح حتى للرياح أن تتجول بحرية ... على الجميع هناك أن ينصاع لجبروت النظام الملكي السعودي، بدو نجد وطواغيت الجزيرة العربية!
ولكن اليمن بالتأكيد ليست ملكا للمملكة العربية السعودية. فبالرغم من محاولات الرياض لتغيير هذا الواقع، إلا أن اليمن لا تزال واقفة كدولة قومية مستقلة في جنوب الجزيرة العربية. هل نحتاج الى التأكيد على أن اليمن هي آخر الدول المستقلة في الجزيرة العربية وبأن المملكة في نهاية المطاف تعمل على سحق هذا الاستقلال.
الحوثيون لم يشكلوا مطلقا أي خطر على المملكة العربية السعودية - على الأقل ليس بالطريقة التي تصورها وسائل الإعلام الرئيسية. وحتى لو سلمنا بأن الحوثيين يمثلون تهديدا أيديولوجيا للمملكة العربية السعودية كون هذا الفصيل القبلي القادم من المرتفعات اليمنية قد تحول الآن إلى حركة سياسية تجسد الحرية التي تخيف رجال الدين في المملكة العربية السعودية، حتى لو سلمنا بهذا، إلا أن الحوثيين لم يخططوا لغزو المملكة ... حسنا هذا ليس صحيحا تماما!
لم يخطط الحوثيون مطلقا للتعدي على سلامة الأراضي الحقيقية التابعة للمملكة. وللتصحيح، فإني حين اتحدث هنا عن أراضي المملكة العربية السعودية، لا أقصد تلك المحافظات التي تطالب بها اليمن منذ ثلاثينيات القرن الماضي... إنه التاريخ مرة أخرى! سأطلب منكم مرة أخرى أن تسايروني في النظر إلى الماضي لكي نفهم الحاضر بشكل أفضل.
خضعت قضية الحدود لخلاف كبير بين اليمن والمملكة العربية السعودية على مدى العقود التسعة الماضية. وعلى الرغم من أن تسعة عقود من الزمن قد تبدو وكأنها وقتا طويلا لحمل أي ضغينة إقليمية، ألا أن عليك أن تسأل نفسك فقط إلى أي مدى ستستمر في الكفاح من أجل ما هو حق لك. دعونا لا نطلب من اليمن التخلي عن مطالبتها بأراضيها لمجرد أن هذا من شأنه أن يجعل حياتنا أسهل. وبدلا من ذلك دعونا نقدر حقيقة وضعهم.
توصلت اليمن والمملكة العربية السعودية إلى اتفاقية مبدئية على الحدود في عام 2000 - اتفاق جدة، الذي وقع عليه حينئذ الرئيس علي عبد الله صالح منهيا بالأساس ثلاث محافظات يمنية. بجرة قلم، أنهى الرئيس صالح 65 عاما من التوترات القبلية والاشتباكات المتقطعة والكثير من الاضطرابات. مفاجأة الإتفاقية أن اليمن حصلت على كومة صغيرة من القش ... وبالنسبة للرئيس صالح، يقول البعض انه تلقى دفعة نقدية بقيمة 20 مليون دولار لوضع اسمه على الإتفاقية. أما جماعات المعارضة فقد قالت للصحافة مرة أخرى في عام 2011 انهم يعتقدون ان صالح حصل على 18 مليار دولار في مقابل تعاونه لحل النزاع اليمني السعودي على الأرض.
ولكن نظرا لعدم تسريب أي وثائق بخصوص هذا الشأن، فسوف أضع هذه الادعاءات جانبا وسأعتبرها من باب القيل والقال.
يمكن إرجاع النزاع بين اليمن والمملكة العربية السعودية الى اتفاق مكة المثير للجدل الذي وقع في عام 1926. حيث أقر الاتفاق أن إمارة الإدريسي الواقعة في الجنوب الغربي والتي ضمت الثلاث المحافظات ذات النزاع الحدودي طويل الأمد (عسير، جازان، نجران)، تنتمي الآن إلى المملكة العربية السعودية التي انشئت حديثا في ذلك الوقت.
وغني عن القول أن قبائل شمال اليمن لم تكن سعيدة بالترسيم الجديد للحدود كون ذلك يعني تقسيم أرضهم ومناطقهم وشعبهم. ومع تقدم الوقت أصبح النزاع اليمني السعودي على الأراضي موضوع نقاشات سياسية وقبلية ساخنة، وأصبح جرحا مفتوحا وخيانة لن يغفرها سكان المرتفعات اليمنية، ولن ينسوها أبدا.
لكن السياسيين كائنات متلونة ومتقلبة... ففي عام 1934 أعادت معاهدة الطائف التأكيد صراحة على أن عسير وجازان ونجران تعد مناطق سعودية. وبموجب بنود الاتفاق أصبح شكل اليمن والمملكة العربية السعودية "نهائيا ودائما".
بالطبع لم يؤخذ حزم الحوثيين ومثابرة قبائل شمال اليمن في الحسبان.
فلم يمض وقت طويل بعد التوقيع على المعاهدة حتى جرى الطعن في شرعية الاتفاق وأعلنت جميع الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ عام 1932 رفض بنودها بحجة أنها فرضت قسرا من قبل المملكة العربية السعودية. وطالبت اليمن بعدها باتفاقية جديدة لترسيم الحدود.
وفي هذا السياق، كان لدى اليمن حليف قوي هو الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي أعلن مقولته الشهيرة "لا يمكن لأي قوة أن تهاجم الشعب اليمني ... الثورة اليمنية هي ثورتنا، وثورة كل العرب ... ويمكننا ببساطة عزل السعودية تماما عن اليمن من خلال استعادة جيزان ونجران. محافظة جيزان تنتمي إلى اليمن واغتصبها السعوديين بعد غزوها في عام 1930. اليمنيون لديهم الحق في المطالبة باستعادة جازان ونجران. سنشاركهم القتال في هذه الحرب. نحن المصريين نقف جنبا إلى جنب مع اليمنيين ... لذلك لا قوة يمكنها أن تهاجم ثورة الشعب اليمني".
لكن الرئيس السابق صالح سحق أحلام اليمنيين في استعادة أراضيهم الغنية عندما وافق في عام 2000 على التخلي عن جميع المطالبات بالسيادة على محافظات عسير وجازان ونجران.
إذا كنتم ممن يتابعون تطورات المشهد في اليمن فستتذكرون أن منظمة "عسير" الحقوقية كانت قد أعلنت في عام 2012 انها دشنت حملة وطنية لإعادة ما يسمى "بأراضي اليمن المسروقة" من المحتلين السعوديين.
وعلى الفور تم إقصاء منظمة عسير غير الحكومية واعتبارها منظمة عميلة لإيران. إيران، ذلك البيدق الشيعي في لعبة شطرنج الطائفية الكبرى للمملكة العربية السعودية. كم هو مضحك ذلك المضرب الذي يستخدم لنبذ الجماعات والأفراد بزعم صلتهم بطهران. كما لو أن هذه الجمعيات قد ورثت الإجرام ... هناك المزيد حول هذه النقطة، لماذا فشلنا في تحدي هذا البيان؟ فسواء كانت هذه المنظمة مرتبطة بصداقة مع إيران أم لا، فإن ذلك لايسلبها حقها في مطلبها الشرعي ضد الرياض. ولكن سنتحدث عن ذلك أكثر لاحقا ...
في يونيو 2012 قال لي عبد الرحمن الأشول، المتحدث باسم المنظمة، في مقابلة ان الأهداف الرئيسية له هي"خلق وعي يمني داخلي وتأسيس وتعميق أهمية الوعي الوطني للشعب حول حقوقه وأراضيه الرازحة تحت الاحتلال السعودي. تجري التحضيرات حاليا لإنشاء حركة احتجاج شعبية ومدنية ضد اتفاقيات الحدود، الطائف وجدة".
وذكر الأشول أهمية "توحيد الجبهة اليمنية الداخلية من خلال رفض سيطرة السعودية على عملية صنع القرار في اليمن وتوجيه أصابع الاتهام للشخصيات العامة التي تمد أيديها إلى المال السعودي وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم لدعمهم وتورطهم في التخلي عن الحق التاريخي لليمن في مناطقها المحتلة من قبل جيرانها الذين يسلبون أرضها وثرواتها ومواردها الطبيعية".
استندت منظمة عسير في مطالبها على تعليق صرح به الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي في عام 1977 خلال زيارة رسمية إلى الطائف في المملكة العربية السعودية، حيث قال للملك حينها " أنا ما زلت في الأراضي اليمنية. إذا كنت ترغب في مناقشة هذه المسألة، يمكننا أن نبدأ من هذه النقطة".
كما أن الحجة الرئيسية للمنظمة هي أن الحق في الأرض لا يسقط بالتقادم. من الناحية القانونية فإن المنظمة على حق، أما من الناحية السياسية فقد وقفت المنظمة على أرض هشة جدا. لماذا؟ لأن لا أحد سيقف في وجه المملكة العربية السعودية ويعيش ليمول حكاية القصة!
لربما بدت كلماتي قاسية، لكنها صحيحة رغم ذلك. تحاول المملكة العربية السعودية الظهور بمظهر سياسي وأخلاقي مرموق مستغلة مليارات النفط والسيطرة على الموارد الطبيعية الحيوية. تحضى المملكة بثقل كبير في العواصم الغربية ... ثقل كبير في الواقع!
غير أن الحوثيين لا يهتمون بالسياسة والدبلوماسية، على الأقل ليس عندما تكون سلامة أراضي اليمن على المحك، وبالتأكيد ليس عندما يقف مستقبل اليمن في الميزان.
هل سنسمح لذلك فعلا بأن يمر؟! يمكنك أن تجادل وتقول أن ذلك شيء حدث قبل نحو 90 عاما؟! حسنا دعونا نرى كيف ستشعرون حين أقول لكم أن هذه المحافظات الثلاث سوف تدفع باليمن عاليا في سلسلة مصدري النفط. وعندما أقول عاليا، فإني أعني عاليا جدا، أعلى حتى من المملكة العربية السعودية نفسها.
هلاّ منحتوني الآن انتباهكم الكامل؟
في حال تمت استعادة الأراضي اليمنية المسروقة، فإن اليمن لن تكون الدولة الأكثر فقرا في جنوب الجزيرة العربية. قد يتمكن اليمن من الجلوس حيث كان من المفترض دائما أن يجلس، على رأس طاولة الجزيرة العربية. حينها سيكون المال والحصول على الموارد الطبيعية هي البطاقات التي تخضع لتصرف اليمن وحدها.
اسمحوا لي أن أعرض لكم يمن آخر مختلف جدا، وهي اليمن التي لا يزال بالإمكان أن تصبح واقعا فقط إذا ما انسحبت الرياض الى وراء حدودها الحقيقية.
اليمن لا تزال اليوم واقفة على رأس أكبر دول الجزيرة العربية من حيث عدد السكان، مع ما يقدر بنحو 26 مليون شخص. كما تجلس اليمن أيضا في أعلى طريق النفط العالمي - باب المندب - وهي أداة جيوسياسية قوية يمكن أن تؤكد اليمن كدولة إقليمية عظمى. وإذا أدخلنا الآن قوتها العسكرية في المعادلة، حينها سنكون قد بنينا عملاقا اقتصاديا وسياسيا!
هل تفهم الآن لماذا تمثل اليمن كل هذا التهديد؟ هل تدرك لماذا كانت الرياض ولازالت عازمة على تدمير الحوثيين وتشويه سمعتهم.
إذا كان بإمكان السعودية أن تحكم سيطرتها دون منازع ودون عائق على الممالك في الجزيرة العربية إنطلاقا من معرفتها بأن حجمها وحده كفيل بأن يردع أيا من جيرانها الجامحون من الوقوف ضد آل سعود، فإن اليمن هي المشكلة برمتها تماما. تفوق الموارد الطبيعية لليمن تلك الموجودة في المملكة، وتستطيع قوتها العسكرية تحمل أي تهديدات خارجية بكل أريحية. أود القول أن عام 2015 قد أكد فقط مدى المرونة العسكرية لليمن في مواجهة الضغوط المتفاقمة.
ووفقا لدراسات حديثة فإن احتياطي اليمن من النفط سوف يمثل 30٪ من الاحتياطي العالمي، متجاوزا بذلك المملكة العربية السعودية نفسها. وعلى الرغم من أن اليمن لايزال إلى حد بعيد غير قادر على استغلال موارده النفطية والغازية، إلا أن اليمن قد يرتفع كعملاق في المنطقة إذا حضي بنصف فرصة. وهذه بالضبط هي الفكرة التي لاتسر آل سعود، العائلة الملكية.
http://katehon.com/article/yemens-hidden-war-secret-war-territorial-restoration
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق