الجمعة، 20 مايو 2016

إلى أين تمضي الحرب على اليمن؟

بقلم: كاثرين شاكدام.
مركز كاتيون الدولي للأبحاث والدراسات
15 مايو 2016

ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب

ما الفرق الذي صنعه عام من الحرب، في الواقع! منذ أكثر من سنة حتى الآن (مايو 2016) تعاني اليمن من هجوم عسكري سعودي لا هوادة فيه، وكل ذلك باسم إعادة الأمل ومكافحة الإرهاب وبناء الديمقراطية والسعي وراء سراب الاستقرار السياسي. لقد قيل لنا أن القنابل الملقاة والإنفجارات التي أعادت تشكيل اليمن ماهي إلا نزيف ولادة جديدة ليمن أفضل!

عندما أدى تجويع المجتمع إلى وفاة الأطفال، قيل لنا أن اليمن سيكون أفضل بذلك!

اليمن لاتشرب المساعدات الإنسانية المنعشة ... حسنا، هذه الجملة لا تعكس تماما الحقيقة على أرض الواقع. لم تتمكن المملكة من شراء معظم اليمنيين في مزادها السياسي لأنهم نأوا بجيوبهم بعيدا عن مصالح الرياض المباشرة. اليمنيون ليسوا أغبياء، فعلى الرغم من افتقارهم لكل التطور العلمي والتكنولوجي الغربي، إلا أن اليمنيين يدركون تماما اللعبة الجيوسياسية التي تجري حولهم. لايدركونها فقط، بل أنهم يواجهونها ويتصدون لها.

يؤسفني ياسادة أن أخبركم أن اليمن ليست فيلم غربي قديم ... اليمن لا تنتظر "الرجل الأبيض" السخي ليأتي وينقذها من نفسها. اليمن لا تحتاج إلى رعاية أجنبية أو نفوذ أجنبي، فهي قادرة تماما على إيجاد طريقها! بل أنها وجدت طريقها بالفعل، وهذا بالضبط هو ماجعل الرياض تشعر بالقهر لسقوط زعامتها على هذا البلد الفقير.

ولكن لا يهم، اليمن ستجد طريق العودة وستقوم باستعادة حقها في الحكم الذاتي والسيادة على أراضيها. سيجتهد اليمنيون في سبيل غايتهم وسيدافعون ويضغطون حتى تقف اليمن حرة مرة أخرى.

مقاومة اليمنيون تتم منذ فترة ليست بالقصيرة، لكن الإعلام هو من فشل في تقديم التقارير الصادقة والحقيقية عن اليمن. في الحقيقة، لو أن وسائل الإعلام كانت قد قامت بعملها وأخبرت جمهورها بالحقائق، لكان فهمكم للحرب في اليمن مختلفا كثيرا في الواقع. سأجرؤ على القول بأنه سيكون مختلفا جدا لدرجة ستجعلكم على الأرجح تطلقون على جماعة المقاومة التي يجسدها الحوثيون إسم مناضلي الحرية في اليمن، وليس المتمردين.

لايساورني الشك في أن الحوثيين لا يزال أمامهم طريق طويل ليقطعوه فيما يتعلق بالنضج السياسي - لم تبن روما في يوم واحد - ولكن رغم هذا، فقد استطاعوا وبنجاح خلق جبهة موحدة بعد أن كان الانقسام هو السائد.

بالنسبة لبلد مثل اليمن تعتبر فيه الخلافات وكأنها نوع من الرياضة الوطنية، فإن تحقيق التعددية السياسية مع الحفاظ على التماسك يعد عملا خارقا للعادة في زمن الحرب. وبغض النظر عن إخفاقاتهم الكثيرة، إلا أن الحوثيين مع ذلك قد أثبتوا أنهم قادرون على القيادة. لا تستطيع الكثير من الفصائل القبلية أن  تزعم أنها قد صمدت أمام غضب العديد من القوى العسكرية العظمى لأكثر من عام بينما تواجه حصارا إنسانيا مدمرا. أتمنى أن يتذكر اليمنيون بأن الحوثيين علموا اليمن كيف تتنفس الحرية في وجه الطغيان.

آمل أن يتذكر الناس هؤلاء الأبطال الذين أيقضوا روح اليمن لكي تتمكن الأمة من تذكر اسمها مرة أخرى.

الآن، دعونا نعود إلى السياسة في هذه الحرب على اليمن.

اسمحوا لي أن أبدأ القول بأن الحرب في اليمن أخذت منعطفا لم تكن المملكة العربية السعودية تتوقعة بالتأكيد. بكل إنصاف لا أعتقد أنه يمكن لأي شخص أن يتوقع أن الرياض قد تطلق العنان لجيوشها من المرتزقة على جنوب الجزيرة العربية لكي تمنع صعود يمن ديمقراطي. يبدو على الأرجح أن وفاة الملك عبد الله في أوائل 2015 هي التي حددت مصير اليمن ... وربما مصير المملكة أيضا.

لا يتم في الغالب إسقاط الإمبراطوريات والقوى المهيمنة بواسطة قوى أخرى أكبر منها، بل بشجاعة عدد قليل من الرجال الواثقين. في هذه القصة، يمكن أن يجسد الحوثيون دور داوود في مواجهة جالوت المملكة العربية السعودية. الوقت هو من سيخبرنا بصحة هذا الافتراض.

على الرغم من ان الحرب قد اندلعت في أواخر مارس 2015، إلا أن ​​نيرانها اشتعلت قبل ذلك بفترة طويلة، وقد شهدتم الشرارة الأولى لها في عام 2011 في أعقاب الثورة المصرية، حين حلمت اليمن بأن تكون خالية من الرئيس علي عبد الله صالح.

في الواقع، هذه ليست بالضبط الطريقة لتي سارت بها اليمن باتجاه الحرية السياسية، بل هذه هي الطريقة التي أخبروكم أن اليمن خرجت بها إلى الديمقراطية. إذا كان المصريون قد هتفوا لرحيل طاغيتهم الرئيس حسني مبارك، فإن اليمنيين طالبوا فقط بالإصلاحات، على الأقل في البداية، عندما كانت "الحركة الثورية" ما تزال نقية وشعبية حقا في طبيعتها.

القوى الأجنبية هي من قام بإعادة توجية الغضب الشعبي وحولته إلى سلاح سياسي لإسقاط نظام الرئيس صالح. كان تاريخ الرئيس صالح قد تجاوز مدة الصلاحية وأصبح غير ذي صلة إلى حد ما. وعندما أقول نظام الرئيس صالح، فإني أعني بذلك مجمل نظامه بما فيه ما يسمى بالمعارضة.

اسمحوا لي أن أوضح أكثر، يمكن بالطبع تأليف العديد من الكتب عن السياسة في اليمن، ولكني سأختصر قليلا في تلخيص الوضع السياسي اليمني.

لنعد قليلا إلى الوراء، في عام 2011 انقسمت التركيبة السياسية والعسكرية والقبلية في اليمن بين اثنين من العمالقة هما حزب المؤتمر الشعبي العام - الفصيل السياسي للرئيس صالح - وحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي عمل كمظلة لمختلف الجماعات الاسلامية اليمينية والتي تضم جماعة الإخوان المسلمين - سيئة السمعة الآن - وزعماء القبائل المقربون من رجال الدين الوهابيين في الرياض.

كنت قد شرحت في السابق كيف أن صعود الإصلاح للسلطة قد توافق تماما مع إضطهاد الدولة للحوثيين وحرب الانفصال في اليمن عام 1994. لم يكن الحوثيون حينها قد شكلوا أي تهديد عسكري لأنهم كانوا مجرد قبيلة من شمال اليمن تمسكت بالزيدية وأصرت على الحفاظ على التقاليد الدينية لليمن ورفض الوهابية، وهو مادفع الرياض للغضب.

كان حزب الإصلاح يعمل دائما كمادة عازلة بين سلطة الرئيس صالح والزيدية.

و تحت رئاسة قبيلة آل الأحمر، أصبح التجمع اليمني للإصلاح امتدادا لسلطة الرياض في اليمن، وأصبحوا المنافس الرئيسي لقبيلة الرئيس صالح نفسه، ولأسرته. ففي حين عين صالح افراد اسرته في المناصب العسكرية والسياسية الرئيسية في اليمن، كان لا يزال عليه أن يستوعب التجمع اليمني للإصلاح ويقدم لقيادته حصة من الكعكة السياسية. مرت السنوات ووجد اليمن نفسه محكوما من قبل آل الأحمر، وصالح.

جاءت انتفاضة اليمن في 2011 لتخل بهذا التوازن في السلطة. تم توجيه هذه الإنتفاضة لقلب توازن تلك القوى حتى تتمكن قوة جديدة من الصعود. وإذا كانت الصحوة السياسية في اليمن قد جائت بمثابة مفاجأة لكل من السعوديين والأميركيين، فإنها أيضا قد قدمت لهم فرصة لا يمكن تفويتها. فغالبا ما يتشكل أي نظام جديد ويخرج إلى الوجود من رحم الفوضى. كان يفترض بعام 2011 أن يدخل النظام الجديد إلى جنوب الجزيرة العربية ... ولولا وصول الحوثيين، لكانت الرياض قد نجحت في إجبار اليمن على الركوع لإرادتها الملكية.

ولكن لماذا قد ترغب الرياض في رحيل الرئيس صالح بينما يبذل مسؤوليها كل ما في وسعهم لحمايته آنذاك؟ سؤال جيد! مالذي قاموا بحمايته؟ الرجل، أم السلطة التي يمثلها؟ كما ترون، فقد أعطت الرياض القليل من الإهتمام لحياة صالح كونه كان لا يزال الوصي على الشرعية التي لايمكن أن تقبل المملكة بأن تراها مهددة. كانت أهمية الرئيس صالح تكمن في كونه طريقا إضطراريا لانتقال اليمن إلى أيدي الرياض، فهمت المملكة العربية السعودية جيدا مدى أمكانية سقوط اليمن سريعا في حالة من الفوضى الحقيقية إن لم يكن هناك قبضة قوية تحافظ عليها. كان يمكن السماح بالفوضى إذا كانت فقط موجهة بشكل صحيح.

لن أدّعي أنني مطلعة على خفايا سياسة الرياض، لكني سأغامر بطرح نظرية تشرح سبب رغبة الرياض في رحيل صالح. لم يكن الرئيس صالح هو من يمثل التهديد الأكبر، بل كان الشخص المحدد لخلافته: الجنرال أحمد علي عبد الله صالح، النجل الأكبر للرئيس وقائد الحرس الجمهوري. كان الجنرال أحمد صالح، ولا يزال، قائدا محبوبا جدا باعتباره قامة عسكرية محورية. ليس ذلك فحسب، بل باعتباره الرجل الذي يتحمل من أجل اليمن والذي قد يرغب الملايين في رؤيته.

إذا كان الجنرال أحمد يشبه أباه إلى حد كبير في فهم السياسة الداخلية والخارجية لليمن، فإنه أيضا رجل مثقف وعصري يريد أن يرى بلاده تستعيد مكانتها الرائدة في جنوب الجزيرة العربية. وإذا كان الرئيس علي عبدالله صالح قد تحول بطريقة ما من رجل قبيلة إلى رئيس، فإن الجنرال أحمد صالح كان رجلا عسكريا يطمح في تحويل اليمن إلى أول جمهورية عملية في الجزيرة العربية من خلال ترويض كلا من القبلية والوهابية. وغني عن القول أن المملكة كان لديها مشكلة مع ذلك لأن الرياض لم تكن فقط ترغب في تكريس القبلية في اليمن، كون ذلك يمنحها قدرا أكبر من السيطرة، بل لأنها أيضا أرادت أن ترى الوهابية وقد أصبحت دين الدولة في اليمن.

إعتلاء الجنرال للرئاسة قد يجعل كل ما سبق ذكره مستحيلا، وهو مايعني بالتالي فشله عسكريا وسياسيا. يقبع الجنرال أحمد الآن تحت الإقامة الجبرية في دولة الإمارات العربية المتحدة ... تذكروا تلك التفاصيل لأنها مهمة جدا.

قبل الاطاحة به من السلطة في عام 2012، عين الرئيس صالح ابنه سفيرا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم أن هذه الخطوة قد بدت غريبة بعض الشيء، إذ كيف يمكن للمرء أن يتحول من حاكم على النخبة العسكرية في اليمن الى مسؤول في مكتب مغمور في الخارج! غير أن هذه الخطوة تنم فعلا عن الذكاء السياسي للرئيس صالح. لا تقللوا من قدرة هذا الرجل على المناورة في سبيل عودته إلى قمة السلطة، لقد فعل الكثيرون ذلك في الماضي وتمكنوا من معالجة الرضوض والكدمات التي أصابتهم.

أرسل الرئيس صالح ابنه إلى المكان الذي سيكون فيه أكثر أمانا، وهو المكان الذي قد يتمكن فيه من اتخاذ الترتيبات اللازمة لعودة رائعة. لا تتفاجئوا إذا عاد الجنرال أحمد صالح إلى اليمن في المستقبل القريب، ليس باعتباره نجل الرئيس اليمني السابق، ولكن باعتباره الرئيس نفسه....

قد تتسألون كيف ولماذا؟

لم يتم بعد كتابة كيف سيتم ذلك، ولكن إليكم لماذا: لأن الجنرال أحمد صالح لديه العديد من الأصدقاء! لازال يملك صديق قوي في دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. فهو يشترك مع الإمارات في نفورها العميق من جماعة الإخوان المسلمين، ويشترك مع الولايات المتحدة في فهمها للتطرف، كما أنه لا يحمل أي كراهية حيال إيران.

كل هذه الصفات تجعل منه المرشح الطبيعي للرئاسة! دعونا لا نخدع أنفسنا ونعتقد بأن الرؤساء يتم اختيارهم من قبل الشعب. فالرؤساء يتم صناعتهم، لا انتخابهم.

في حالة الجنرال أحمد صالح، فإن رئاسته قد تحضى بالشعبية على الرغم من أنها يمكن أن تكون مختلفة! لا يمانع الملايين من اليمنيين في أن يمسك رجل عسكري قوي من ذوي الخبرة بمقاليد السلطة. تعيينه سفيرا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة لم تكن خطوة عفوية، بل كانت استراتيجية.

ففي حين يتحالف الرئيس صالح مع مقاومة الحوثيين للاطاحة بالمملكة العربية السعودية من اليمن، ينتظر إبنه بصبر قدوم رياح التحويل.

في حرصهم على شن حرب لاستعادة السيطرة على اليمن، لم يدرك آل سعود أنهم قد عجلوا بتحريرها. فلولا خيانة الرياض للرئيس صالح ودعمها التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) - وهو التحرك الذي أغضب الإمارات العربية المتحدة بشكل عميق - لما قام الرجل القوي السابق في اليمن بإعادة بناء الجسور بينه وبين الحوثيين ليشكلوا معا حركة مقاومة عملاقة.

http://katehon.com/article/muddy-political-waters-where-did-yemens-war-go-wrong

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق