الاثنين، 29 فبراير 2016

هل ستصمد علاقة الشراكة بين آل سعود والوهابية في المستقبل؟

بقلم: جيمس دورسي *
السبت 27 فبراير 2016
موقع هافينقتون بوست الأمريكي.

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

تواجه السعودية عاصفة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأيديولوجية، والجيوسياسية. صمود المملكة في وجه العاصفة يعتمد على كيف ستتعامل مع إعادة الهيكلة الحتمية  للشراكة المريبة بين الأسرة الحاكمة من آل سعود و علماء الوهابية، وهم رجال الدين الذين اعتمد عليهم حكام المملكة السابقون في إضفاء الشرعية على حكمهم.

قد تكون المملكة العربية السعودية متجهة إلى عاصفة محكمة من المشاكل الاقتصادية، والتحديات الاجتماعية والأزمات السياسة الخارجية. فتراجع أسعار السلع والطاقة يجبر الحكومة السعودية على إصلاح وتنويع وتبسيط وترشيد اقتصاد المملكة. حيث خفضت الحكومة من الإعانات ورفعت أسعار الخدمات، وبدأت البحث عن مصادر بديلة للدخل والتوجه نحو توفير دور أكبر للمرأة والقطاع الخاص.

يحدث هذا التخفيض في التكاليف في الوقت الذي تنفق فيه السعودية بانفتاح على الجهود المبذولة لمواجهة رياح التغيير السياسي في المنطقة خاصة تدخلها العسكري المتعثر في اليمن، ودعمها للمتمردين المناهضين لبشار الأسد في سوريا بالإضافة إلى الحوافز الضخمة التي تدفعها للنظام المضطرب جدا في مصر. حيث تواجه أنظمة الحكم الاستبدادية التقليدية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات لم يسبق لها مثيل.

تحسين تشوهات الوهابية

على الرغم من التوقعات المتجددة حول قابلية النظام السعودي للحياة والنمو، إلا أن مستقبلها لا يعتمد كثيرا على كيفية معالجتها لهذه القضايا بشكل فردي ومنفصل. في الواقع، سيتم تحديد مستقبل النظام من خلال قدرة حكام المملكة على إعادة تسوية صفقتهم الخاسرة مع الوهابية، ذلك النموذج التفسيري البروتستانتي من الإسلام الذي ترتديه أسرة آل سعود. حيث يلوح في الافق أن هذه الصفقة والعلاقة ستكون العقبة الرئيسية في حل مشاكلهم أكثر من أي وقت مضى.

تأسست المملكة على تحالف بين أسرة آل سعود وأحفاد الداعية محمد بن عبد الوهاب الذي عاش في القرن الثامن عشر، وتتبنى المملكة العربية السعودية الحديثة تفسيرا محددا للإسلام يماثل تماما التفسير الذي تتبناه الجماعات الجهادية المسيطرة على عدة مناطق في العراق وسوريا و التي تطلق على نفسها تنظيم الدولة (داعش). تبلدت الغرائز التوسعية للجهاديين الوهابيين منذ ذلك الحين، وبالتدريج شيئا فشيئا، وصل علماء الدين المتشددين إلى تفاهم لاستيعاب احتياجات الدولة وتقديم خدماتهم لحكامها.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو فيما إذا كان رجال الدين سيعطون حكام السعودية المهلة الكافية لمعالجة التحديات المتعددة التي تواجهها المملكة أم أنهم سيوائمون احتياجاتهم بإعادة هيكلة العلاقة مع الأسرة الحاكمة بشكل يهدد شرعية آل سعود.

تعثر حكام السعودية بالوهابية مرارا وتكرارا في تحركاتهم لإصلاح الاقتصاد، وسعيهم إلى التفريق بين المملكة العربية السعودية وتنظيم الدولة (داعش) وإصلاح صورتهم المشوهة دوليا، والحرص على أن المملكة لن يتم معاقبتها بسبب أربعة عقود زمنية مضت مولت خلالها السعودية، وعلى مستوى العالم، التعصب ومعاداة المجتمعات المسلمة التعددية في محاولة منها لمواجهة النداء الثوري الإيراني. وفوق هذا، كلما قدمت المؤسسة الدينية خدمات أكثر للدولة، كلما حرضت النقاد المتشددين أكثر، الذين يتهمونها بالانحراف عن الطريق الصحيح للإسلام.

مخاطر لا يمكن تحملها

في محاولة منها لتمييز نفسها عن تنظيم الدولة (داعش)، قدمت السعودية نفسها كضحية للعنف الجهادي واتخذت موقفا صارما في مواجهة الجهاديين في الداخل والخارج وذلك من خلال تعهدها بإدخال قوات برية إلى سوريا، وإظهار إيران كمصدر للعنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. غير أن الجهود السعودية لم تنجح بالشكل المطلوب.

المخاطر التي تواجهها المملكة أصبحت واضحة مع توجه المنتقدين لمزيد من التدقيق في دراسة المجتمعات الوهابية والسلفية في جميع أنحاء العالم نتيجة الهجمات الجهادية مثل تلك التي حدثت في باريس نوفمبر الماضي. فعلى سبيل المثال، سأل اثنين من الأحزاب السياسية الرئيسية في هولندا الحكومة فيما إذا كان هناك إمكانية و أساس تشريعي لإصدار قانون يحظر الجماعات الوهابية والسلفية.

وفي حال إقرار قانون كهذا، فإن هذا الحظر سيؤدي إلى حظر تمويل هذه الجماعات وقد يدفع الحكومة الهولندية إلى أن تطلب من السعودية إزالة ملحق الشؤون الدينية من السفارة السعودية في لاهاي. وعلى مر السنين، اتجهت دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة إلى تقليص الغزو الفكري للجماعات الدينية الممولة سعوديا. في نهاية المطاف، لا يمكن أن تتحمل المملكة العربية السعودية فكرة أنها قد تتعرض للعقاب بسبب المجتمعات التي تمولها والتي تضفي لآل سعود شرعيتهم. يقول سايمون هندرسون المختص في الشأن السعودي "لنقولها صراحة، الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية ستكون أي شيء يصب في مصلحة حكم آل سعود".

ليس هنالك بدائل فورية

وبالمثل، فإن على الحكومة أن تحرر نفسها من القيود الاجتماعية التي تفرضها الوهابية وذلك من أجل ترشيد الاقتصاد السعودي وجلب النساء بشكل كامل في سوق العمل وتحول التركيز على الاقتصاد من القطاع العام إلى القطاع الخاص وتنويع ذلك الاقتصاد للتحرك بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط الذي يشكل 90٪ من عائدات البلاد.

إعادة هيكلة الاقتصاد ستنطوي حتما على إعادة التفاوض لتسوية الصفقة بين آل سعود و الوهابيين وكذلك العقد الاجتماعي في المملكة الذي يتنازل بموجبه السكان عن حقوقهم السياسية في مقابل الفوائد الاقتصادية التي ينعمون بها في حياتهم.

ومع معدل البطالة البالغ 29٪ بين السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 16-29 والذين يشكلون ثلثي السكان، فإن الحكومة تواجه تحديات هائلة في الداخل والخارج بالتزامن مع التقشف المالي المفروض. تدليل الإسلام البروتستانتي وإشباع رغباته ترف كبير لا يمكن تحمله. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهه آل سعود هو ايجاد بديل للوهابية يكون من شأنه إضفاء الشرعية على استمرار حكمهم المطلق. فليس هناك أي بديل فوري.

* جيمس دورسي، زميل رفيع المستوى في مدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية (RSIS)، جامعة نانيانغ التكنولوجية، سنغافورة. ومدير مشارك في معهد فان للثقافة في جامعة فورتسبورغ، ألمانيا.

http://m.huffpost.com/us/entry/saudi-arabias-future-will_b_9324124.html

الأربعاء، 24 فبراير 2016

المتمردون اليمنيون يشكلون تهديدا متزايدا في جنوب المملكة العربية السعودية

بقلم: هيو نايلور
صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية
الأربعاء 24 فبراير

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

نجران، السعودية - ينتشر الالاف من جنود القوات السعودية في التلال القاحلة على طول الحدود مع اليمن، وتكافح هذه القوات من أجل وقف الهجمات عبر الحدود من جانب المتمردين اليمنيين الذين يقومون بإطلاق الصواريخ وتنفيذ عمليات برية قاتلة.

قتل المقاتلون اليمنيون وأسروا المئات من الجنود السعوديين في الصراع الذي يضع السعودية في مواجهة أكبر التحديات على أراضيها منذ سنوات. وقد سقطت الآلاف من قذائف الهاون والصواريخ التقليدية على المدارس والمساجد والمنازل في مدينة نجران التي يقطنها مئات الآلاف من السكان وتبعد فقط بضعة أميال من الجبال في شمال اليمن.

وتأتي هذه الهجمات الحدودية ردا على الحرب الجوية والبرية المدمرة التي شنها التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن العام الماضي. وقد امتد هذا الصراع بدوره عبر الحدود متسببا في عواقب وخيمة بحسب قول اللواء سعد العليان، الذي يقود أكثر من عشرون ألف جندي سعودي على طول الحدود الجنوبية الممتدة 1100 ميل.

قال عليان "في الأسبوع الماضي فقط، قتل 10 من رجالي في الحدود على أيدي هذه الميليشيات". حيث يتعرض جنوده في المعركة لكمائن معقدة ومحكمة جدا ينفذها المتمردون اليمنيون - والمعروفين باسم الحوثيين - ووحدات من الجيش اليمني المنشق.

وخلال المقابلة التي تمت معه في مقره الذي تعرض لقصف صاروخي في نجران، قال العليان "بعض جنودي قتلوا في كمين، وتم إطلاق النار عليهم بدم بارد" من قبل المتمردين.

يحاول سكان نجران المضي في حياتهم بشكل طبيعي، ولكن الندوب التي خلفتها الهجمات اليمنية تعكس مدى الوحشية التي أصبح عليها القتال. تلك الحفر في الشوارع، التي تبدو وكأنها شقوق وأخاديد، هي في الواقع آثار قذائف الهاون المنفجرة. في حين أغلقت العديد من المدارس وتعرض البعض منها لهجمات بصواريخ كاتيوشا وغراد، و تم نقل الآلاف من السكان الذين يعيشون في المناطق الحدودية إلى مناطق أكثر أمنا، كما تم اغلاق مطار نجران أمام حركة الطيران المدني بسبب القتال.

وقال عبد الله ناصر، 41 عاما، مسؤول في إحدى رياض الأطفال في نجران التي ضربها صاروخ منذ عدة أشهر "تأتي الهجمات فجأة، ولا يمكنك أن تفعل شيئا حيالها". لحسن الحظ لم تقع اصابات، قالها ناصر وهو يمشي على ركام قاعة  المدرسة المدمرة.

قتل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن - ويضم الدول الإسلامية السنية في معظمه - الآلاف من المدنيين وتسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية في البلد الفقير اليائس. وقد جاء التدخل السعودي لوقف اعتداءات الحوثيين أتباع الطائفة الزيدية الشيعة الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في العام الماضي. ويتهم مسؤولون سعوديون الحوثيين بالعمل كوكلاء لإيران، التي تعد القوة الشيعية والمنافس الاقليمي الأبرز للسعودية.

وفي المقابل، يسعى الثوار المتمردون والوحدات العسكرية المتحالفة الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لإلحاق الألم بالمملكة العربية السعودية من خلال شن هجمات مكثفة عبر الحدود. تبث وسائل الإعلام التابعة للحوثي تقارير منتظمة تصور الثوار وقد اقتحموا في عمق المناطق الجنوبية من المملكة، بما في ذلك قرب نجران.

تمتد مدينة نجران بمبانيها السكنية الرتيبة والمنخفضة وتفتقر إلى صخب ونشاط العاصمة الرياض التي تبعد عنها حوالي 500 ميلا إلى الشمال. تضم المدينة القديمة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين العديد من المحلات الغريبة التي تبيع خناجر الزينة والملابس الصحراوية التقليدية والتوابل.

كان المكان سيبدو مثل قرية هادئة لولا الصراع المحتدم.

ويأتي القتال وسط موجة من الهجمات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية في المملكة، بما فيها ذلك التفجير الانتحاري الذي نجم عنه مقتل احد المصلين في مسجد في نجران اكتوبر الماضي. وعلاوة على ذلك، اضطر المسؤولين السعوديين إلى حشد عدد هائل من الجنود على طول الحدود اليمنية في الوقت الذي تعاني فيه السعودية من ضائقة مالية نتيجة تراجع أسعار النفط والنفقات الباهظة التي تشمل الدعم المتزايد للقيادة الاستبدادية في مصر وكذا دعم المتمردين في الحرب الأهلية في سوريا.

يقول تيودور كاراسيك، وهو محلل متخصص في قضايا أمن الخليج الفارسي ويقيم في دبي "تهديد الحوثي وصالح لجنوب السعودية كان أكثر من المتوقع".

وعلى الرغم من أن مناطق الجنوب جزء من الأراضي السعودية، إلا أن إليمن تدعي ملكيتها التاريخية لهذه المناطق، حيث يربط سكان نجران والأراضي المحيطة بها صلات عائلية وثقافية قوية بالمجتمعات المحلية في اليمن.

بالإضافة إلى أن غالبية السكان في نجران من الإسماعيليين، وهم فرع من المذهب الشيعي. وقد اشتكوا طويلا من التمييز ضدهم من قبل السلطات السعودية التي تتبنى رسميا شكلا محافظا من الإسلام السني الذي يدين الشيعة ويعتبرهم مرتدين عن الإسلام.

يقول كاراسيك "ينظر إلى الإسماعيليين من قبل النخبة السعودية المحافظة على انهم زنادقة مهرطقين" مشيرا إلى أن هجوم المتمردين اليمنيين على المنطقة يبدو أنه لاختبار ولاء الإسماعيليين.

لكن يقول بعض السكان الإسماعيليين في نجران أن حرب اليمن فعلا حسنت العلاقات مع السلطات السعودية. حيث يقول عبد الله سدران أن مسؤولي الجيش والحكومة حاولوا الوصول إلى السكان الإسماعيليين خلال الأزمة.

يضيف سدران البالغ من العمر 52 عاما ويعيش في نجران "هناك شعور بأن التمييز قد انخفض، لكنك تشعر أن الحكومة لم تفعل الكثير للحد من المتطرفين الذين يدعوننا بالكفار".

يقول فهد ناظر وهو محلل سياسي سابق في السفارة السعودية في واشنطن، ان القوات العسكرية ورجال القبائل المحليين يلتأمون حول القضية السعودية.

وأضاف "هناك العديد من أشرطة الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر زعماء القبائل في نجران وجيزان يقرأون الشعر معربين عن امتنانهم للقوات المرابطة هناك" في اشارة الى منطقة جيزان في السعودية التي تتعرض هي الأخرى لهجوم المتمردين اليمنيين.

يقول العقيد ياسر القحطاني أنه لاحظ وجود الشعور بالتضامن أثناء الصراع. يرأس القحطاني الدفاعات الجوية حول نجران، بما فيها بطاريات صواريخ باتريوت التي تدافع عن المنطقة من صواريخ سكود اليمنية وهي قذائف بعيدة المدى قادرة على إيصال حمولة كبيرة.

في الأيام الأخيرة، قال القحطاني انه عرض نظام الدفاع الصاروخي الامريكي الصنع لصحفي زائر عندما تحدث عن المعاناة التي يعيشها المدنيين والجنود.

وقال القحطاني (43 عاما) وهو من سكان نجران وأب لأربعة أبناء "كنت في العمل عندما دمر صاروخ بيتي هنا، لحسن الحظ، لم تكن عائلتي في البيت، وإلا لكانوا جميعا قد قتلوا". وأضاف "نحن جميعا معا في هذه الحرب".

شاركت شيخة الدوسري في إعداد هذا التقرير.

https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/yemeni-rebels-pose-a-rising-threat-in-southern-saudi-arabia/2016/02/23/ab8f0eaa-d1e4-11e5-90d3-34c2c42653ac_story.html#

الخميس، 18 فبراير 2016

الحقيقة حول "الحرب" في اليمن

بقلم: كاترين شاكدام
موقع إيبيك تايمز الأمريكي
الإثنين 15 فيراير 2016

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

في 25 مارس 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية، التي تعد واحدة من أغنى الدول في العالم، الحرب على اليمن من جانب واحد في محاولة أخيرة منها لفرض املاءاتها الدينية والسياسية على حد سواء.

غير أن اليمن وقفت بعناد واستقلال شرس أمام العدوان وقاومته بمنتهى الصمود معتمدة على نفسها، وأصبح اليمنيون آخر المجتمعات العربية الحرة الواقفة في وجه القوة الامبريالية الشيطانية. إن هذا التوجه الديني السياسي الجديد - الذي تعبث به القوى الغربية - قد عقد العزم على كسر اليمن وإخضاعه لحكمه وبالتالي إجبار شعب بأكمله على الرضوخ للإمبريالية الوهابية، لأنهم يتصورون أنهم قادرون على إعادة إحياء سيطرتهم الاستعمارية التي فقدوها في منطقة الشرق الأوسط. لقد برهنت السعودية عن كل أخلاقها الهمجية.

لقد تم إلقاء اليمن في أتون معركة عنيفة جرى فيها استخدام الأسلحة الكيميائية والاستهداف الممنهج للبنى التحتية المدنية وقتل الأبرياء والمدنيين العزل والحصار الغير إنساني، و وجدت اليمن نفسها وحيدة تماما في المعركة بعد أن تخلى عنها المجتمع الدولي الأناني جدا.

لا يعرف العالم حتى الآن عن اليمن إلا ما سمحت به وسائل الاعلام عبر صحفييها وما يسمى بالخبراء. وحتى الآن، تعاني اليمن من ظلم كبير نتيجة التشويه المتعمد والدعاية المزيفة.

تم إعاقة التقدم في البلد وتقديم الشعب ضحية لأعمال العنف والأعمال الوحشية الامبريالية الوهابية، لكن لطالما كانت اليمن أمة مقاومة يملك شعبها إرادة صلبة من حديد تجعله على استعداد للتضحية في سبيل الحرية.

تملك اليمن شيئا بسيطا وراء هذا الصمود منذ أن اختارت معظم الدول أن تتغافل عن الجرائم التي ترتكبها الرياض، سبب صمود اليمن هو وجود عدد قليل من الشجعان الذي تحدوا الجور والطغيان بارواح ثائرة لا تشعر بالخوف يحركهم فقط الشعور الملحّ بالمسؤولية تجاه أولئك الذين أصبحوا أكثر عرضة للخطر بسبب الحرب.

اصبحت اليمن، ذلك الجرح النازف وميدان المعركة الكبرى، عار متراكم يثقل كاهلنا، فقد لقي أكثر من عشرة ألاف شخص حتفهم منذ عام 2015، غالبيتهم من غير المقاتلين، بالإضافة لعشرات الآلاف من المصابين والملايين من الذين شردوا من منازلهم.

لكن هذا ليس كل شيء، فمن أصل 26 مليون نسمة هم سكان اليمن، يتأهب أكثر من 22 مليون للموت جوعا. ويعاني أكثر من 2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد المزمن، وقد لايتمكن مئات الآلاف من النجاة بحلول نهاية فبراير. هذه الأرقام مروعة، هذه الأرقام لن تجدها في الأمم المتحدة لأنها لو كشفتها ستخون المسؤولين الذين لن يكونوا قادرين على تبرير وتسويغ ذلك لفترة أطول.

وبدلا من ذلك، يجري تسويق حرب أهلية خيالية للجمهور تتحدث عن تأليب الحوثيين ضد الموالين لهادي. القصة الحقيقة هي أنه ليس هناك حرب أهلية في اليمن، هناك فقط محاولات للاحتلال من قوة امبريالية ضد دولة ذات سيادة.

لكن اليمن تملك الكثير من أبنائها وبناتها العضماء للدفاع عن أراضيها. والأكثر من ذلك، أن اليمن لديها العديد من الأصدقاء الرائعين على استعداد للوقوف في سبيل الحقيقة ومقاومة الدعاية الإعلامية البغيضة.

هناك الكثير من الجهود تسعى لتخفيف معاناة اليمن. جهود كهذه نجدها في أعمال منظمة منى للإغاثة (MRF). كانت منظمة منى متواجدة على أرض الواقع في اليمن منذ بداية الحرب. منى منظمة خيرية صغيرة لكنها قوية واستطاعت الحفاظ على استقلاليتها في مزيج بين الإيمان الراسخ والإصرار، مدركة تماما مزالق التمويل "الأجنبي" الذي يتطلب - هذه الأيام - أساس الولاء الإنساني الطائفي للرياض.

المنظمات غير الحكومية التي تديرها السعودية

باعتبارها متبرع سخي للعديد من المنظمات غير الحكومية الكبيرة بما فيها وكالات تابعة للأمم المتحدة، تسعى المملكة العربية السعودية وبحكم الأمر الواقع لفرض إرادتها على المجتمع الدولي عن طريق الابتزاز و الوعود المالية السخية في مقابل الرقابة الكاملة على توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن.

اتخذت الرياض اليمن كرهينة طوال الشهور الماضية ومنعت دخول الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات، وسمحت بدخولها فقط للميليشيات التي تستغلها المملكة لزرع مزيد من الفوضى والفتنة كمسلحي تنظيم القاعدة الإرهابي.

في واقع الأمر، لم تعترض الأمم المتحدة مطلقا على الحصار الذي تفرضة الرياض على اليمن بالرغم من أنه يسير في مواجهة القانون الدولي. ويقول العديد من الخبراء القانونيين مثل كيم الشريف في المملكة المتحدة، ومحمد هادي ذاكر، دكتوراه في القانون الجنائي الدولي في هولندا أن مثل هذه الانتهاكات تشكل في الواقع جرائم ضد الإنسانية.

وذكرت صحيفة الإندبندنت في سبتمبر 2015: "سينفد الوقود والإمدادات الطبية الحيوية في غضون أسابيع في بعض المناطق الأكثر تضررا من اليمن، كما حذرت وكالات الإغاثة من الحصار المفروض من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية والتي تقصف جميع أنحاء اليمن بغارات جوية منذ عدة أشهر".

وفي نوفمبر 2015، حذرت صحيفة أوبين ديموكراسي ضد المبررات التي تسوغها المملكة للحرب، وأشارت الصحيفة إلى "أن الحصار المستمر من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية بالتوازي مع تصاعد العنف، يهدد بانزلاق البلاد نحو المجاعة. وكان الحصار الاقتصادي الذي صمم في الأصل لوقف الإمدادات الإيرانية من الوصول إلى المتمردين الحوثيين قد بدأ في مارس 2015. وتدعم دول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء سلطنة عمان - هذه الحرب وهذا الحصار".

وتابعت الصحيفة مؤكدة "هذا التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول أيضا عن الضربات الجوية ضد السكان بدعم استخباراتي من الولايات المتحدة الأمريكية. كما أعربت المملكة المتحدة عن دعمها للعدوان الذي تقودة السعودية وذلك على لسان فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني الذي صرح قائلا أن "هناك مشاركة بسيطة لبلاده في القتال من خلال جميع الوسائل المتاحة". ولهذا فإن جميع الأطراف المتورطة في الغارات الجوية، بمن فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تقوم ضمنيا بدعم وتأييد الحصار الاقتصادي. ربما يكون الحصار قد نجح في وقف تدفق الإمدادات إلى المتمردين الحوثيين ولكن ذلك تم على حساب المعاناة المرفوضة التي دفع تكلفتها السكان المدنيين. لنضع في اعتبارنا أن الحوثيين يمثلون مالا يقل عن ربع السكان اليمنيين، أي أنه حتى لو كانوا الأكثر استهدافا بالحصار، فإن حرمان ربع السكان من السلع الأساسية كالغذاء ودفعهم نحو المجاعة لايعتبر فقط عمل مرفوض، بل أنه أيضا غير إنساني. وكان برنامج الغذاء العالمي قد أعلن في أغسطس 2015 أن اليمن على بعد "خطوة واحدة" من المجاعة ".

ها نحن الآن في فبراير 2016!

في 27 يوليو 2015، انتقدت هيومن رايتس ووتش المملكة العربية السعودية بشكل لا لبس فيه بسبب سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان ... لاتزال اليمن معرضة للسقوط أكثر في هاوية الحرب واليأس الإنساني.

فيما لاتزال القوى العالمية صامتة، تدّعي الغفلة، ولم تتحدث أيا منها للدفاع عن المدنيين في اليمن.

وقد بدأ الملك سلمان وحلفائه في 17 أبريل 2015 العمل على تعطيل وتخريب المساعدات التي نظمتها الامم المتحدة الى اليمن في أعقاب النداء العاجل والطارئ للأمم المتحدة بتوفير 274 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا خلال الأشهر الثلاثة القادمة.

وفي معرض حديثه عن معاناة اليمنيين، شدد منسق الشؤون الإنسانية يوهانس فان دير كلاو، قائلا :

"يجري الصراع المدمر في اليمن على خلفية أزمة إنسانية قائمة تعد بالفعل  أحد أكبر وأكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا في العالم، حيث تعيش الآن الآلاف من الأسر بعيدة عن منازلها بعد أن فرت منها نتيجة للقتال والغارات الجوية. وتكافح الأسر العادية من أجل الحصول على الرعاية الصحية والمياه والغذاء والوقود و المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة".

تبرعت المملكة العربية السعودية على الفور بالمبلغ المطلوب للمساعدات. ولكن هذه المساعدات سوف تأتي مع شروط.

حيث ذكر موقع فايس نيوز الإخباري الأمريكي في يونيو 2015 أن المسؤولين السعوديين ضغطوا على مسؤولي الأمم المتحدة لتعطيل تسليم المساعدات، مهددين بإغلاق دفتر الشيكات السعودي في حال رفضت وكالات الامم المتحدة طلبات الرياض.

وبناء على مذكرة للامم المتحدة حصل عليها موقع فايس الإخباري، جاء فيها أن الحكومة السعودية فرضت شروط لم يسبق لها مثيل على وكالات المعونة، مطالبة بأن تقتصر المساعدات فقط على المناطق التي توافق عليها السعودية وحصرها على السكان المدنيين السنة بالتحديد.

نحن ننزلق بفوضى إلى المجهول

لقد رفعت السعودية انتهاكات وجرائم الحرب إلى مستوى جديد كليا. فيما لا يزال العالم يلتزم الصمت ويختبئ بأريحية وراء مزاعم وادعاءات بأن الحركة المقاومة للعدوان في اليمن تهدف في الواقع لتعزيز مصالح إيران في المنطقة.

حتى لو كانت هذه المزاعم صحيحة - وهي ليست كذلك - وحتى لو كانت إيران تشجع مقاومة اليمن للعدوان بفاعلية من أجل هزيمة المملكة واستعادة استقلالها بعيدا عن رجال الدين الوهابيين التابعين للملك سلمان، فهل يمكننا، ونحن في كامل وعينا، أن نبرر تحطيم حياة الملايين؟ هل نفكر جديا في الانحياز والدفاع عن العائلة الملكية ذاتها التي أهدت الإرهاب للعالم؟ قبل بضعة أسابيع، اعترف أحد كبار مشائخ الدين في المملكة العربية السعودية في برنامج تلفزيوني مباشر أن داعش (وتعرف أيضا باسم تنظيم الدولة) تتبع في الواقع وتنتمي للدين الرسمي للمملكة. هل فعلا ما زلنا واقعون تحت أي أوهام تتعلق بالطبيعة الحقيقية لروح المملكة العربية السعودية؟

عانت اليمن من مليون حالة وفاة مروعة. والأسوأ من ذلك أن اليمن تعاني من الإرهاب المخزي المتمثل في كون القوى العالمية جبانة جدا في مواجهة اللوبي المالي والسياسي السعودي.

يعمل الدكتور رياض كريم المؤسس المشارك لمنظمة منى للإغاثة، وهي واحدة من المنظمات الخيرية المستقلة القليلة الباقية في اليمن، بلا كلل من مكتبه في لندن في مسارين متوازيين احدهما معني بشريان الحياة الإنسانية والآخر برصد وحصر جرائم الحرب في اليمن.

يقول الدكتور كريم "يعمل فريقنا من المتطوعين في اليمن على مدار الساعة لمواجهة الحملة العسكرية السعودية البغيضة ...، نحن نعيش أوقاتا صعبة بالفعل عندما يتم تغطية الحقيقة بثوب الكذب ومعاملة المجرمين كأبطال".

ويضيف "قمنا حتى الآن بتوزيع أكثر من مليوني وجبة، ومساعدة عشرات الآلاف من الأسر من خلال تنظيم أسبوعي للوقوف ضد الحصار السعودي. لقد تلقينا تهديدات بالقتل، وتعرض فريقنا لأطلاق النار وتم استهداف قوافل المساعدات التابعة لنا من قبل مسلحي القاعدة بعد اكتشاف مواقفنا ... لكننا لن نتوقف، ونرفض أن نتوقف! "

بحجة "تحرير" اليمن، سمحت السعودية للخلايا الأصولية المتطرفة بترسيخ نفسها عميقا في اليمن، ووضعت البلاد في خطر كبير يتمثل في سيطرة الإرهاب.

سقوط اليمن في الإرهاب سيكون كارثي جدا لأن المتطرفون سيحصلون على منفذ إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا وسيمنحهم ذلك السيطرة على الطريق العالمي للنفط عبر باب المندب.

يحتاج المجتمع الدولي بشكل ملح إلى مراجعة صداقتة وعلاقاته مع المملكة العربية السعودية، مهد الوهابية وأكبر مروجي الإرهاب.

http://www.epictimes.com/catherineshakdam/2016/02/the-truth-of-the-war-in-yemen/
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com