بقلم: اس بي سيث *
صحيفة الديلي تايمز الباكستانية
الأربعاء 10 فبراير 2016
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
السعودية مملكة غير مستقرة وبالكاد تبدو آمنة، فهي ترى الأخطار كامنة في كل مكان، وبالتالي، تميل إلى إطلاق النار في كل الاتجاهات، ورغم مجازية هذه العبارة إلا أنه ليس فيها الكثير من المبالغة إذا ماتأمل المرء كيف تمددت المملكة بشكل مفرط. حيث نشرت السعودية قواتها في البحرين، وتقوم بقصف اليمن بشكل عشوائي لسحق التمرد الحوثي هناك - بحجة أنه مدفوع ومدعوم من إيران - كما قامت بتسليح وتوفير الدعم المالي لكل الجماعات المتمردة في سوريا باختلاف انواعها لإسقاط نظام بشار الأسد. وقد حاولت لجنة التفاوض المكونة من المعارضة السورية والجماعات المتمردة المدعومة من السعودية وضع شروط مسبقة في جنيف تهدف في الأساس إلى تخريب عملية السلام، ويبدو أنهم قد ينجحون في ذلك.
لدى النظام داخل المملكة العربية السعودية اتفاق من نوع ما مع المؤسسة الدينية في البلاد والتي تدعم النظام الملكي في مقابل أن تقدم المملكة نفسها كبطل العقيدة الإسلامية وتعزز النموذج الوهابي للإسلام إقليميا وعالميا من خلال التمويل السخي للمساجد والمدارس الدينية الوهابية ودعمها بشتى الطرق والوسائل. وقد مثلت هذه المؤسسات الدينية التي تمولها وتروج لها السعودية المنبع الفكري المتشدد الذي يجسده تنظيمي القاعدة وداعش، وهما الجماعتان اللتان تسببتا في الخراب بدء من هجمات 11 سبتمبر المرتبطة بالقاعدة في الولايات المتحدة وصولا إلى ما يرتكبه متشددي داعش الآن في عدد من البلدان. ونظرا لعدم وجود دعم شعبي واضح لنظام الحكم في السعودية سواء عن طريق انتخابات دورية أو بأي طريقة أخرى، فقد سعت الأسرة المالكة السعودية لتأسيس شرعية من خلال "دفاعها" عن العقيدة الإسلامية جنبا إلى جنب مع وصايتها لأقدس المواقع الإسلامية. كما أن العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية مع الولايات المتحدة قد ضمنت أمن المملكة ولازالت مستمرة في القيام بذلك. ونظرا لكون السعودية أكبر منتج للنفط في العالم، ولأن اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط من السعودية كان كبيرا خلال معظم القرن الماضي، فإن ذلك قد خلق علاقة تكافلية بين البلدين يبدو انها تجاوزت الاعتبارات الأخرى.
ومع ذلك، فإن الأمور تتغير ببطء متسببة في خلق توتر أكبر داخل المملكة. أولا، خلقت ثورات الربيع العربي التي اندلعت في وقت مبكر من هذا العقد اضطرابات سياسية في المنطقة ابتداء من تونس وامتدادا إلى مصر وأماكن أخرى في المنطقة. واعتقدت الرياض أن علاقتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة يمنحها دورا حاسما في سياسة واشنطن الإقليمية كما كان عليه الحال عموما. لكن الطابع الشعبي للحراك الثوري وسرعته لم يترك الكثير من الخيارات أمام الولايات المتحدة إلا إتباع ومواكبة المسار الذي تفرزه وتكشف عنه الأحداث. وإلى جانب ذلك، يبدو أن إدارة أوباما القادمة منفتحة على أي مبادرات جديدة. لذلك، فشلت جميع احتجاجات السعودية في حث الولايات المتحدة لإنقاذ نظام حسني مبارك أو استدراج إدارة أوباما إلى التدخل الفاعل في مواجهة الربيع العربي المشحون في ذلك الوقت. سقط مبارك وشعرت المملكة العربية السعودية بهزات سقوطه، حيث استنتجت أنه إذا كانت الولايات المتحدة لم تنقذ مبارك، الذي كان حليفها على المدى الطويل، فيمكنها أيضا أن تتخلى عن النظام الملكي في المملكة العربية السعودية إذا وصلت الأمور إلى مثيلتها في مصر. ونظرا لكون النظام السعودي نظام ليس له قاعدة شعبية يمكنه الإستناد عليها في الداخل، فقد بدا للنظام السعودي أن الولايات المتحدة - الحامي و الحارس الأساسي له - لايمكن الوثوق بها كما كان متوقعا.
أما بالنسبة للتطورات المختلفة في المنطقة، فلم تكن هي الآخرى مبشرة بالخير أيضا. حيث وفرت الثورة الشعبية في سوريا، على سبيل المثال، فرصة ممتازة للتخلص من نظام بشار الأسد، الذي تم اعتباره إلى حد كبير كوكيل إيراني في العالم العربي السني، ولكن الأمور لم تمضي وفقا للخطة. ولم يتم كبح ايران التي يعتقد أنها قوة حاقدة تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال إثارة المسلمين الشيعة في البلدان العربية، بما في ذلك المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية. والواقع أن الربيع العربي كان قد أثار حماسة السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية للقيام بالاحتجاجات والمظاهرات التي قمعتها السلطات بوحشية. كما كانت إيران مشتبهة أيضا بالوقوف وراء الانتفاضة الشعبية في البحرين ذات الأغلبية الشيعية والتي يحكمها نظام ملكي سني. وقد أرسلت المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين قواتهم هناك لسحق التمرد. وهاهي السعودية الآن متعثرة وعالقة في اليمن في خضم سعيها لسحق التمرد الحوثي - الذي أطاح بالنظام السني الذي تدعمه السعودية في البلاد - بحجة أنه مستوحى ومدفوع ومدعوم من أيران. وعلى الرغم من أن الرياض تحضى بالدعم السياسي للولايات المتحدة والدعم العسكري المتمثل في إمدادات الأسلحة والقيام بدوريات في مياه الخليج والاستخبارات المتطورة والإشراف على العمليات، فإنه هذا لا يزال لم يرضي الرياض.
وفي سوريا، لايزال بشار الأسد باقيا هناك، وهذا يثير سخط الرياض إلى حد كبير لأن الولايات المتحدة ترددت في اتخاذ أي إجراءات حاسمة لإزاحته عن السلطة عندما كان الوقت مناسبا وهو ماكان أوباما قد وعد به من قبل. حيث كان أوباما قد قال إن الولايات المتحدة ستتدخل بشكل حاسم إذا استخدم نظام الأسد أسلحة كيميائية ضد المتمردين، وهذا من شأنه أن يشكل "خط أحمر". ولكن بعد ذلك ترددت الولايات المتحدة في اتخاذ اي قرار ثم وجدت ملاذا في المبادرة الروسية التي قضت بالتخلص من المخزونات الكيميائية للنظام، والتي وافقت دمشق على تسليمها، وبالتالي الاستمرار في السلطة. لم يكن تردد الولايات المتحدة التي اعتمدت عليها الرياض في التصرف بشكل حاسم مطمئنا للنظام السعودي على الإطلاق. وبعبارة أخرى، كانت مصالح الولايات المتحدة والسعودية قد بدأت تتباعد في بعض الطرق.
عندما وقعت الولايات المتحدة الإتفاق النووي مع إيران، بالرغم من كل احتجاجات الرياض، بدا ذلك وكأنه انتهاك خطير للثقة وهو الأمر الذي زاد فقط من تعزيز جنون العظمة السعودي. وبدا للمملكة أنها فقدت مركزها المحوري في برنامج الولايات المتحدة المتعلق بشؤون الشرق الأوسط. وبدا وكأن واشنطن تسعى لاستكشاف طرق أخرى للتعامل مع الأمور داخل المنطقة خارج نطاق نهجها المألوف من أجل إعطاء سياستها بعض المرونة مع أنها تبقى محدودة. وبعبارة أخرى، ما زالت المملكة العربية السعودية عنصرا هاما في سياسة الشرق الأوسط، ولكن يبدو أنها فقدت حق الفيتو وقوة الإعتراض. ولهذا كان رد فعل السعوديين حيال هذا الوضع سيئا وخطيرا نظرا لعدم اقتناعهم بفاعلية الدبلوماسية في التعامل مع القضايا الإقليمية المثيرة للجدل لأن ذلك "في نظرهم" مؤشر على الضعف والهشاشة.
وعلى السطح، يجب أن يظهر السعوديون القوة ضد أعدائهم في الداخل والخارج. وقد تجلى ذلك بشكل لا لبس فيه مع إعدام رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر عن جرائم إرهاب مزعومة. ويبدو أنه قد تم القيام بهذا الإجراء من دون التشاور مع الولايات المتحدة التي فوجئت بالأمر ونصحت كلا من السعودية وإيران بضبط النفس عقب الحادثة التي قام فيها محتجون مناهضون للسعودية بتخريب السفارة السعودية في طهران في خضم احتجاجات قوية على إعدام النمر. وقد بدا وكأن الرياض حريصة على إظهار قوتها وعزمها في سحق أي نوع من الانشقاق أو الإختلاف في الرأي واعتباره جريمة إرهابية. في نفس الوقت، يبدو ذلك التصرف شبيها بنوبة غضب خطيرة لطفل يسعى لفرض طريقته الخاصة. وبالتالي قد تواجه الولايات المتحدة مشكلة خطيرة في تنويع سياستها في الشرق الأوسط لاسيما مع استعداد الرياض للتصرف كمفسد غريب الأطوار. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع السلوك الشاذ للسعودية.
* اس بي سيث، كاتب صحفي بارز واكاديمي مقيم في سيدني، أستراليا.
http://www.dailytimes.com.pk/opinion/10-Feb-2016/saudi-paranoia
---------------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليجرام:
http://telegram.me/tarjamat
او متابعة مدونة قضايا على الرابط:
http://kathaya.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق