الاثنين، 29 فبراير 2016

هل ستصمد علاقة الشراكة بين آل سعود والوهابية في المستقبل؟

بقلم: جيمس دورسي *
السبت 27 فبراير 2016
موقع هافينقتون بوست الأمريكي.

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

تواجه السعودية عاصفة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأيديولوجية، والجيوسياسية. صمود المملكة في وجه العاصفة يعتمد على كيف ستتعامل مع إعادة الهيكلة الحتمية  للشراكة المريبة بين الأسرة الحاكمة من آل سعود و علماء الوهابية، وهم رجال الدين الذين اعتمد عليهم حكام المملكة السابقون في إضفاء الشرعية على حكمهم.

قد تكون المملكة العربية السعودية متجهة إلى عاصفة محكمة من المشاكل الاقتصادية، والتحديات الاجتماعية والأزمات السياسة الخارجية. فتراجع أسعار السلع والطاقة يجبر الحكومة السعودية على إصلاح وتنويع وتبسيط وترشيد اقتصاد المملكة. حيث خفضت الحكومة من الإعانات ورفعت أسعار الخدمات، وبدأت البحث عن مصادر بديلة للدخل والتوجه نحو توفير دور أكبر للمرأة والقطاع الخاص.

يحدث هذا التخفيض في التكاليف في الوقت الذي تنفق فيه السعودية بانفتاح على الجهود المبذولة لمواجهة رياح التغيير السياسي في المنطقة خاصة تدخلها العسكري المتعثر في اليمن، ودعمها للمتمردين المناهضين لبشار الأسد في سوريا بالإضافة إلى الحوافز الضخمة التي تدفعها للنظام المضطرب جدا في مصر. حيث تواجه أنظمة الحكم الاستبدادية التقليدية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات لم يسبق لها مثيل.

تحسين تشوهات الوهابية

على الرغم من التوقعات المتجددة حول قابلية النظام السعودي للحياة والنمو، إلا أن مستقبلها لا يعتمد كثيرا على كيفية معالجتها لهذه القضايا بشكل فردي ومنفصل. في الواقع، سيتم تحديد مستقبل النظام من خلال قدرة حكام المملكة على إعادة تسوية صفقتهم الخاسرة مع الوهابية، ذلك النموذج التفسيري البروتستانتي من الإسلام الذي ترتديه أسرة آل سعود. حيث يلوح في الافق أن هذه الصفقة والعلاقة ستكون العقبة الرئيسية في حل مشاكلهم أكثر من أي وقت مضى.

تأسست المملكة على تحالف بين أسرة آل سعود وأحفاد الداعية محمد بن عبد الوهاب الذي عاش في القرن الثامن عشر، وتتبنى المملكة العربية السعودية الحديثة تفسيرا محددا للإسلام يماثل تماما التفسير الذي تتبناه الجماعات الجهادية المسيطرة على عدة مناطق في العراق وسوريا و التي تطلق على نفسها تنظيم الدولة (داعش). تبلدت الغرائز التوسعية للجهاديين الوهابيين منذ ذلك الحين، وبالتدريج شيئا فشيئا، وصل علماء الدين المتشددين إلى تفاهم لاستيعاب احتياجات الدولة وتقديم خدماتهم لحكامها.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو فيما إذا كان رجال الدين سيعطون حكام السعودية المهلة الكافية لمعالجة التحديات المتعددة التي تواجهها المملكة أم أنهم سيوائمون احتياجاتهم بإعادة هيكلة العلاقة مع الأسرة الحاكمة بشكل يهدد شرعية آل سعود.

تعثر حكام السعودية بالوهابية مرارا وتكرارا في تحركاتهم لإصلاح الاقتصاد، وسعيهم إلى التفريق بين المملكة العربية السعودية وتنظيم الدولة (داعش) وإصلاح صورتهم المشوهة دوليا، والحرص على أن المملكة لن يتم معاقبتها بسبب أربعة عقود زمنية مضت مولت خلالها السعودية، وعلى مستوى العالم، التعصب ومعاداة المجتمعات المسلمة التعددية في محاولة منها لمواجهة النداء الثوري الإيراني. وفوق هذا، كلما قدمت المؤسسة الدينية خدمات أكثر للدولة، كلما حرضت النقاد المتشددين أكثر، الذين يتهمونها بالانحراف عن الطريق الصحيح للإسلام.

مخاطر لا يمكن تحملها

في محاولة منها لتمييز نفسها عن تنظيم الدولة (داعش)، قدمت السعودية نفسها كضحية للعنف الجهادي واتخذت موقفا صارما في مواجهة الجهاديين في الداخل والخارج وذلك من خلال تعهدها بإدخال قوات برية إلى سوريا، وإظهار إيران كمصدر للعنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. غير أن الجهود السعودية لم تنجح بالشكل المطلوب.

المخاطر التي تواجهها المملكة أصبحت واضحة مع توجه المنتقدين لمزيد من التدقيق في دراسة المجتمعات الوهابية والسلفية في جميع أنحاء العالم نتيجة الهجمات الجهادية مثل تلك التي حدثت في باريس نوفمبر الماضي. فعلى سبيل المثال، سأل اثنين من الأحزاب السياسية الرئيسية في هولندا الحكومة فيما إذا كان هناك إمكانية و أساس تشريعي لإصدار قانون يحظر الجماعات الوهابية والسلفية.

وفي حال إقرار قانون كهذا، فإن هذا الحظر سيؤدي إلى حظر تمويل هذه الجماعات وقد يدفع الحكومة الهولندية إلى أن تطلب من السعودية إزالة ملحق الشؤون الدينية من السفارة السعودية في لاهاي. وعلى مر السنين، اتجهت دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة إلى تقليص الغزو الفكري للجماعات الدينية الممولة سعوديا. في نهاية المطاف، لا يمكن أن تتحمل المملكة العربية السعودية فكرة أنها قد تتعرض للعقاب بسبب المجتمعات التي تمولها والتي تضفي لآل سعود شرعيتهم. يقول سايمون هندرسون المختص في الشأن السعودي "لنقولها صراحة، الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية ستكون أي شيء يصب في مصلحة حكم آل سعود".

ليس هنالك بدائل فورية

وبالمثل، فإن على الحكومة أن تحرر نفسها من القيود الاجتماعية التي تفرضها الوهابية وذلك من أجل ترشيد الاقتصاد السعودي وجلب النساء بشكل كامل في سوق العمل وتحول التركيز على الاقتصاد من القطاع العام إلى القطاع الخاص وتنويع ذلك الاقتصاد للتحرك بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط الذي يشكل 90٪ من عائدات البلاد.

إعادة هيكلة الاقتصاد ستنطوي حتما على إعادة التفاوض لتسوية الصفقة بين آل سعود و الوهابيين وكذلك العقد الاجتماعي في المملكة الذي يتنازل بموجبه السكان عن حقوقهم السياسية في مقابل الفوائد الاقتصادية التي ينعمون بها في حياتهم.

ومع معدل البطالة البالغ 29٪ بين السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 16-29 والذين يشكلون ثلثي السكان، فإن الحكومة تواجه تحديات هائلة في الداخل والخارج بالتزامن مع التقشف المالي المفروض. تدليل الإسلام البروتستانتي وإشباع رغباته ترف كبير لا يمكن تحمله. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهه آل سعود هو ايجاد بديل للوهابية يكون من شأنه إضفاء الشرعية على استمرار حكمهم المطلق. فليس هناك أي بديل فوري.

* جيمس دورسي، زميل رفيع المستوى في مدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية (RSIS)، جامعة نانيانغ التكنولوجية، سنغافورة. ومدير مشارك في معهد فان للثقافة في جامعة فورتسبورغ، ألمانيا.

http://m.huffpost.com/us/entry/saudi-arabias-future-will_b_9324124.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق