شارلين رودريغز - الجارديان
26 أكتوبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
في يوم جمعة في صنعاء القديمة، وأثناء تصوير آثار كارثة قصف التحالف الذي تقوده السعودية، وجدت نفسي محاطة بمجموعة من مسلحي الميليشيات كانوا يحاولون انتزاع كاميرتي. تم احتجازي لعدة ساعات في موقع الحطام، ينتابني نوع من القلق والتوتر. كان الاستجواب الذي لقيته من الحوثيين لا هوادة فيه، لكن المشاكل لم تقف عند هذا. لمدة اسبوع، استمر مسؤولي الأمن القومي بمضايقتي بالمكالمات الهاتفية والزيارات الدائمة لفندقي. حدث كل هذا بالرغم من حصولي على تأشيرة صحفية صادرة من لندن.
حوادث كهذه أصبحت شائعة بشكل متزايد منذ تولت ميليشا المتمردين الحوثيين زمام الأمور في صنعاء أواخر سبتمبر من العام الماضي. الصحفيون المحليون، إما فرّوا إلى قراهم أو تركوا البلاد. بعضهم تم تهديدهم و الاعتداء عليهم، وآخرون تم نهب منازلهم وتعيش أسرهم في خوف دائم. لا يوجد سوى قلّة من الصحفيين الأجانب في البلاد يحافظون على أقل القليل من التغطية.
يتذكر محمد القليسي - أحد الصحفيين السابقين في إذاعة يمن تايمز - السنوات الذهبية لحرية الصحافة الممتدة من 2011 إلى 2014 قائلا "كان باستطاعتي أن أقول أي شيء ضد الحكومة. تعيش وسائل الإعلام الآن أياما مظلمة". بعد ثورة عام 2011 التي أدت إلى نهاية حقبة 33 عام من عهد علي عبد الله صالح، كان هناك تزايد في عدد مواقع الإنترنت و الصحف والمحطات التلفزيونة والإذاعية. كل ماتبقى الآن هو صحيفتان في العاصمة تعمل قسريا وفق المبادئ التوجيهية للمليشيات. القليسي، مراسل الناشيونال، من أبناء صنعاء، يقيم الآن عالقا في جنوب البلاد ولايمكنه العودة إلى منزله خوفا من الانتقام. لايرغب القليسي في ترك اليمن ويحرص على أن يحكي قصته لكنه يشعر أنه غير قادر على فعل ذلك بحرية.
وفي تقرير صدر مؤخرا، رصدت نقابة الصحفيين اليمنيين 200 حالة انتهاك لحرية الصحافة على الأقل منذ يناير، حيث قُتِل 10 صحفيين وسُجِن 14، منهم 9 على الأقل يقال أنهم تعرضوا للتعذيب من قبل الحوثيين. حرب اليمن ليست فقط حرب منسية، لكنها حرب غير معروفة لدى الكثيرين. قال محمد الذي يعمل في صنعاء "يسفكون دمائنا كل يوم، لكن لا أحد يعرف". أخرج محمد الكاميرا الخاصة به وعرض لي صورا دموية لأطفال صغار و رجل مسن قتلوا في مسقط رأسه تعز. تلك الصور لم تعرض في الأخبار.
صارت تعز - المعروفة شعبيا بالعاصمة الثقافية - اليوم مسرحا للمعاناة الإنسانية. إذا لم يمت الناس من القصف فإنهم يموتون داخل منازلهم بسبب الأمراض ونقص الغذاء والمياه و الدواء. في الاسبوع الماضي، أصبح موت الطفل فريد شوقي البالغ من العمر ست سنوات والذي صاح متضرعا في وقت سابق من على سريره بالمستشفى "لاتدفنوني"، أصبح رمزا للتكلفة البشرية في حرب اليمن.
بعد زيارته للبلاد في أغسطس، يقول بيتر مورير من اللجنة الدولية للصليب الاحمر "صارت اليمن في خمسة أشهر مثل سوريا بعد خمس سنوات". مع وجود ما يقرب من 1.4 مليون نسمة نازحين داخليا و 6000 قتيل، أغلقت المستشفيات و هناك 21 مليون في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، كل ذلك يحدث في ضل حضور باهت للإعلام الدولي الحاسم. ما نراه حاليا عن التغطية الإعلامية لليمن هو فقط جزء يسير مقارنة بما نراه عن سوريا وليبيا و العراق.
في ضل هكذا أجواء غير مستقره وعدائية حيال الصحفيين سيكون من الصعب جدا تغطية الأحداث. و بصرف النظر عن مسألة تهديد سلامة الصحفيين فإن مشكلة أخرى تبرز مع وجود رحلتان جويتان فقط إلى صنعاء كل أسبوع تسيطر عليها المملكة العربية السعودية، مما يجعل من الصعب تماما الدخول و الخروج من البلاد. ليس الصحفيين هم فقط من يتم اضطهادهم، بل النشطاء أيضا. عبد القادر الجنيد - طبيب وناشط بارز - تم اختطافه من منزلة منذ ثلاثة أشهر بسبب نشرة تغريدات معادية للحوثيين في تويتر. آخر تغريدة مقروءه له هي "رجال مسلحون في بيتي"، لم يسمع أحد الكثير عنه منذ ذلك الحين في حين تنتظر عائلته عودته بفارغ الصبر. قبل أسبوعين، تم اعتقال وتعذيب مجموعة من الصحفيين و النشطاء في محافظة إب كانوا يقومون بتنظيم مسيرة راجلة لتقديم المياه لمحافظة تعز المحاصرة وقد تم اعتقالهم قبل حتى أن تبدأ المسيرة. ولا يزال ستة منهم محتجزين.
إذا لم تتمكن وسائل الإعلام من القيام بدورها في تقديم التقارير والحقائق التي على الأرض فكيف يمكننا أن نتوقع استجابة عالمية ملائمة؟ تتفاقم مأساة اليمن الإنسانية عندما لايتمكن العالم من فهم وإدراك من يقف خلف عمليات الخطف والقتل للمدنيين الأبرياء. هناك صحفيين محليين مثل القليسي متعاطفون وحريصون على إيصال قصة اليمن، لكنهم يعيشون في خوف. إذا تم اعتقالهم فإنهم يصبحون في طي النسيان. هذا الخوف المنتشر لايسكت الصحفيين فقط، بل الشعب أيضا. قمع أصوات الناس يتعارض جدا مع الأفكار التي ولدت منها ثورة اليمن.
يحتاج العالم لمعرفة ما يحدث في اليمن بشكل دقيق ولكن الظروف التي يواجهها الصحفيون في الوقت الراهن تجعل من الصعب إنجاز العمل بصورة مثالية.
http://www.theguardian.com/commentisfree/2015/oct/26/yemen-war-journalists-silenced-conflict-reporters-activists-abduction-torture
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق