بقلم: عبدالرحمن أبوطالب
رقصة البرع على صوت الزامل تجلجل في الكويت؟! حسنا، فهمنا. تريدون القول "انتصرنا" اليس كذلك؟! تماما كما كانت رقصة الهنود الحمر بعد انتصاراتهم في أولى معاركهم مع الرجل ذو الوجه الشاحب. ولكن، لم يعد هناك من هنود حمر. فقد صار ذو الوجه الشاحب سيد الأرض والزمان، ولم يتمكن الهنود الحمر حتى من استقطاع مكان لمظلوميتهم في التاريخ. صحيح أن اليمن لم تنكسر أمام حلف المستكبرين بفضل الله ثم بصمود الشعب وتضحيات الأبطال، لكن لايمكن القول أن اليمن قد انتصرت، ليس بعد، لازال الوقت باكرا والطريق طويلا أمام رقصة النصر، تعال وحدثني بعد سنوات وسنعرف حينها هل سنرقص معا أم سنلطم ونردح. لسنا بحاجة للإستمرار في الرقص مهما بدا المبرر مقنعا. كنا قد تغاضينا معتقدين أن رقصة المطار تلك ستكون الرقصة الوحيدة. لكن حين نتابع الصدى القادم من وفد الاعلام الوطني في الكويت، لازلنا نسمع الرقص والزوامل مسيطرة على الأثير. فهذا يتصل بالاذاعة طالبا منها زامل لكي يرقصوا عليه في بهو الفندق، وذاك يكتب منشورا أنهم فتحوا صوت الزامل عاليا في ساحة وزارة الاعلام الكويتية، واولئك يطلقون الصرخة مدوية في وجه أبراج الكويت؟! ماهذا؟! مالذي تفعلوه؟! الهذا كان ذهابكم؟!
اليمن معزول ومحاصر ومخنوق إعلاميا منذ أكثر من عام، حرب إعلامية لا هوادة فيها شنها العدو لكتم اصواتنا وأنات ضحايانا وزمجرات أبطالنا، أغلق القنوات، زور المواقع، اشترى المنابر، فبرك الصور، سرب المكالمات، دبلج الفيديوهات، زيف الحقائق، دفع للجميع مقابل فذلكاتهم التلفزيونية، ونثر الرشوة يمينا ويسارا لكل من غرد في سربه وعزف الحانة الشيطانية.
عام كامل ونحن على هذا الحال، ثم حين تحين الفرصة للإعلام الوطني للخروج من العزلة كانت البرعة والزامل هي رسالته؟!
على الوفد الاعلامي "الضخم" القادم من صنعاء الخروج من ضيق الأفق الذي يتلحفه ليعرف دوره الحقيقي المطلوب في فرصة ثمينه كهذه. الكويت كانت ولازالت من أقوى المنابر الثقافية والإعلامية في الوطن العربي، علاوة على أنها المجتمع الأسبق تحضرا وانفتاحا في منطقة الخليج. لهذا فإن المفاوضات والكويت والحضور الدولي والضوء العالمي المسلط على هذا الحدث، تمثل كلها مجتمعة البيئة الملائمة والفرصة السانحة لإيصال مظلومية الشعب اليمني للعالم، وليس للرقص أمامه.
مالذي قدمه إعلاميي صنعاء في هذا المضمار حتى الآن؟ وهل خططوا لهذا أصلا؟
لنكن واقعيين، الكثير من إعلاميي خندق الرياض ذوي خبرة واحترافية مرموقة ولهم باع طويل وعلاقات عربية ودولية معتبرة ويملكون امكانات مادية ودعم مالي كبير، لكن ولأنهم ليسوا أصحاب قضية حقيقية تجدهم كثيري الصمت ضعيفي الحجة حتى في مواجهة ولد الشيخ الذي ما أن يخرجوا من مؤتمره صامتين حتى يصبوا عليه جام غضبهم في صفحاتهم الاجتماعية، لينصرفوا بعدها في استجداء البحث عن عمل لدى وسائل الإعلام الكويتية.
أما إعلاميي صنعاء، فهم أصحاب قضية لكن الكثير منهم باعهم قصير في الإعلام المحترف. يجب على إعلاميي صنعاء الإرتقاء بآدائهم أسوة برقي آداء الوفد السياسي الوطني المستند إلى رقي القضية التي يحملها. على الإعلاميين استغلال الحدث في ايصال الحقيقة عن الظلم الذي طال اليمن طيلة عام من العدوان الجائر، عليهم التربيط والتشبيك مع الإعلاميين العرب والدوليين الموجودين لتغطية المفاوضات وبناء علاقات مهنية كفيلة بإذابة الجليد الذي صنعته الترسانة الإعلامية المهولة للعدوان بهدف طمس الحقيقة. من المفترض أنهم ذهبوا محملين بكل التقارير والإصدارات والإحصاءات عن آثار العدوان وتبعاته على اليمن أرضا وإنسانا ليوزعوها على كل من يمروا بجواره حتى لو كان الحارس الهندي على بوابة الفندق. يمكنهم أن يجتهدوا في الحصول على مساحات للمداخلات والتصريحات على القنوات التلفزيونية الموجودة أيا كان توجهها. وتزويد وسائل الاعلام الكويتية والعربية والدولية الموجودة بكل مايلزم لايصال الحقيقة للعالم. ويحرصوا على عقد لقاءات صحفية مع مختلف الأطراف ومع كل من يستشفوا فيه قولا سديدا أو تغيرا حميدا في الرأي او موقفا إيجابيا داعما للسلام من الشخصيات العربية والخليجية بالذات. ليكونوا حلقة وصل بين أعضاء الوفد السياسي الوطني والإعلام العربي والدولي، يمكنهم تنسيق مؤتمرات صحفية وتنظيم ندوات وإجراء مقابلات وإنشاء قصص صحفية متعددة.
نعم، لقد ذهبوا لينقلوا وقائع المفاوضات وأخبارها الى جمهور الداخل، لكن يمكنهم أيضا استغلال الحدث لنقل رسالة الداخل الأكثر قوة وصدى لجمهور الخارج الذي لا اشك في تعطشه لمعرفة الجانب الآخر من القصة من مصدرها الأصلي الذي كان محظورا عليهم الوصول اليه. ولكن للقيام بهذا، يحتاج إعلاميي صنعاء تغيير طريقة السرد ونبرة الخطاب، فالخطاب الموجه للداخل لايصلح بالضرورة للخارج، يحتاجون لتغيير ضبط الموجة واعتماد أساليب مختلفة ليس البرع ولا الزامل بالتأكيد من ضمنها.
لست إعلاميا، ولكني أثق أن هناك الكثير والكثير مما يمكن عمله في الجانب الإعلامي لدعم السلام وتعريف الآخرين بمظلومية الشعب اليمني من خلال هذا الحدث الذي يحضى بمتابعة العالم. ولنؤجل الرقص والزوملة لحين انتهاء العدوان ووقف القتال والحرب في الداخل وفك الحصار وحقن الدماء واستقرار الأوضاع. سنرقص جميعا حين يعم السلام ونتأكد أنه أصبح بمقدور المواطن اليمني السفر من صنعاء إلى حضرموت، ومن مران إلى شمسان، ومن ميدي إلى حوف، لايخشى إلا الله والمطبات الإسفلتية على سيارته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق