السبت، 5 مارس 2016

صمت الإعلام الدولي عن الحرب في اليمن أخرج أسوأ ما في الطبيعة الإنسانية.

مقابلة مع البروفيسور الأمريكي ماثيو كروستون *
مركز كاتيون الدولي للأبحاث والدراسات
الأربعاء 2 مارس 2016

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

صرح بروفيسور أمريكي في العلوم السياسية لوكالة أنباء فارس أن مشكلة التغطية الإعلامية للحرب في اليمن لاتقتصر فقط على مستوى التحيز في الأخبار والتعليقات ولقطات الفيديو التي يتم بثها، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في  الغياب الشامل للصراع من تقارير وسائل الاعلام الدولية.

وقال البروفيسور ماثيو كروستور "لا تكمن المشكلة فقط في الطريقة المنحازة لوسائل الإعلام، هنا في الغرب، والتي تحاول تصوير الأمر بطريقة أحادية الجانب وغير عادلة وخلق تصور عام مبني على معلومات خاطئة. المشكلة هي في الغياب والتعتيم الكبير للصراع من مصادر وسائل الإعلام الرئيسية".

وأضاف "هذا بالطبع معناه أن السكان ببساطة لا يملكون رأيا بطريقة أو بأخرى، لأنهم ببساطة لا يعرفون. ليس هناك وعي حقيقي للصراع في اليمن. أخشى أننا سنخرج أسوأ مافي الطبيعة الإنسانية في ظل هذا الجهل واللامبالاة".

يقول ماثيو انه يتأمل في الحرب على اليمن من منظور استراتيجي. في المقابلة التالية، قال إنه يشاطر الوكالة وجهات النظر حول الأبعاد المختلفة للحملة العسكرية السعودية في اليمن، والتي بدأت في مارس عام 2015 وأودت بحياة أكثر من 6000 شخص حتى الآن.

س: تقود القوات السعودية الغزو العسكري في اليمن خلال الأشهر العشرة الماضية. ويستمرون في تنفيذ غارات جوية على مناطق مختلفة من اليمن بشكل يومي. ومن الناحية القانونية، لم تحض الهجمات بإذن وتأييد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فهل تعتقد أن المملكة العربية السعودية قد قامت بانتهاك القانون الدولي من خلال قيادتها للغارات الجوية على المدن اليمنية بغض النظر عن المبررات السياسية لهجماتهم؟

ج: يوفر هذا الصراع دراسة حالة مثالية لأولئك الدارسين منا في مدرسة الشك عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي. فقد احتدم الغضب فيما بيننا نحن المتشككين لسنوات لأن القانون الدولي يتم التعامل معه، لسوء الحظ، وكأنه مجرد "إرشادات ونصائح دولية" بدلا من أن يتم التعامل معه باعتباره قانون فعلي. ما يعنيه هذا من حيث القيمة الحقيقية هو أن موازين القوى والسيطرة المهيمنة على قصص الصراع هي فقط من تحدد في كثير من الأحيان ماهي الصراعات الموجودة على الساحة العالمية التي ستخضع لتحكيم المجتمع الدولي.

ما يفعله الأسد بشعبه في سورية يتم تمريره بوضوح عالي، وبالتالي يتصدر الاخبار الدولية - في الغرب على الأقل - لشهور متتالية. ولكن ماتقوم به المملكة العربية السعودية حيال التمرد الحوثي في ​​اليمن سواء كان ذلك بدعم ضمني أو صريح من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، لا يزال غامض نسبيا ولم يتم تسليط الضوء عليه عبر وسائل الإعلام الغربية العالمية. لذا، فإن القضية الحقيقية ليست فيما إذا كانت المملكة العربية السعودية تنتهك القانون الدولي أم لا، بل القضية هي لماذا يجري انتهاك القانون الدولي في هذه الحالة دون ضجيج أو غضب في حين يحضى انتهاك القانون الدولي في حالات أخرى باهتمام كبير؟ الشق الثاني من هذا السؤال يقود إلى حقيقة أكثر إيلاما وربما أكثر حزنا فيما يتعلق بالشأن العالمي وهي أن التبرير السياسي يعتبر أكثر أهمية من القانون الدولي. أنا لا أقول هذا لكي أقول أني أؤيد هذه الحقيقة، ولكن من الأفضل الإعتراف بأن هذه الحقيقة لا بد أنها معروفة لدى الجميع. لأنه إذا كانت الشؤون العالمية في العصر الحديث قد أظهرت لنا شيئا ما - في ضل زيادة وسائل الإعلام و الاتصال في جميع أنحاء العالم - فسيكون هذا الشيء أن قدرة الدولة على تبرير سلوكياتها هو في الواقع أكثر أهمية وتأثير من السلوكيات نفسها. وإذا كان هذا الافتراض في الواقع صحيح، فإنه بالتالي يبين أن القانون الدولي ليس أكثر من مجرد شماعة لجعل الدول تشعر بشعور أفضل حيال نفسها.

لن يكون القانون الدولي ذو جدوى إذا لم نلتزم به ونتبعه. لإننا اذا لم نفعل ذلك فإنه لن يكون مهما، ويمكننا حينها أن نعطي الأسباب التي تبرر لنا عدم الاهتمام به. هذا الإعوجاج الوقح هو إعادة صياغة دقيقة تطبق فقط على كل دولة على وجه الأرض عندما يتعلق الأمر بالشؤون العالمية الفريدة والخاصة بها.

س: هل الحكومة الأمريكية مهتمة في استمرار الغارات الجوية السعودية في اليمن، أم أنها تريد إحلال هدنة دائمة؟ فبحسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز، هناك حاليا نحو 45 مستشار عسكري أميركي يعملون مع السعوديين لتزويدهم بالإرشادات حول كيفية إجراء الضربات الجوية. ما هو الهدف النهائي لهذا التدخل العسكري الذي طال أمده في اليمن؟

ج: ستظل حكومة الولايات المتحدة راغبة في استمرار الصراع في اليمن طالما لم تتحقق النتيجة التي تتماشى مع سياستها الخارجية. ما أعنيه بذلك هو أن المصلحة الواضحة للولايات المتحدة في سياستها الخارجية تقتضي التأكد من أن الأمر في اليمن لن ينتهي تحت سيطرة جماعة متعاطفة أو متحالفة بشكل مباشر مع إيران، نظرا لأن الولايات المتحدة لا تزال في هذه اللحظة تنظر لإيران كعدو مع عدم وجود سجل حافل من الثقة بينهما، ولهذا السبب جاء الاتفاق النووي مع ايران ليمثل لحظة تاريخية فاصلة بين البلدين. هناك على الأقل فرصة ضئيلة بأن يخلق الاتفاق فرصة يتعلم فيها كلا الجانبين قبول بعض الثقة من الآخر، هذا إذا كان الطرفان يعلمان فعلا ما هو الجيد بالنسبة لهما ولا يرغبان في محاكاة الوضع الذي كان سائدا لأكثر من ثلاثة عقود مضت من المماحكات بينهما.

هناك فرص للتعاون وبناء العلاقات التي لم تكن موجودة بين البلدين منذ فترة طويلة. من شأن ذلك في نهاية المطاف أن يكون شيء عظيم، ليس فقط بالنسبة لليمن، ولكن لعموم منطقة الشرق الأوسط. ولكن هذه الأحداث المتأرجحة بعنف في مسرح الشؤون الدولية لم تسمح لنا بالتوقف لكي نلتقط أنفاسنا. لو أن الصراع في اليمن كان قد اندلع بعد 10 سنوات من الآن، وبعد أن تكون إيران قد تصرفت بمسؤولية حيال الإتفاق النووي وقامت ببناء واختبار الثقة المشتركة مع الولايات المتحدة، لكنّا حينها ننظر ونتفاعل جميعنا مع المشكلة الحالية من منظور مختلف تماما. لذلك، وبكل صدق، إذا كانت إيران مهتمة في رؤية الولايات المتحدة بصورة مختلفة لاتكون فيه امريكا مجرد "متهور طائش" يعارض كل شيء تفعله ايران أو لها مصلحة فيه، فإنها تحتاج لبدء المشاركة الاستراتيجية التي لا تعزز فقط الأهداف الوطنية لإيران بل أيضا تزرع الثقة والاحترام الدولي، حتى لو كان هذا في شكل مضلل في البداية فقط.

بدون حدوث تلك النقلة النوعية على أرض الواقع، فإن أي فتنة مبطنة أو مواجهة سعودية-إيرانية ستحدث، سنرى فيها الولايات المتحدة تدعم الجانب السعودي بقوة. دائما ما أرى - وأنا على ثقة من ذلك - بأن موقف السعودية ضعيف، فالجميع يعرف بأن المجتمع السعودي ليس منارة مشرقة للمبادئ والانفتاح الديمقراطي، في حين أن المجتمع الإيراني - على المستوى الشعبي على الأقل - يحضى منذ فترة طويلة بمستوى عال من المعرفة الديمقراطية واحتضان القيم الديمقراطية. أحدى المشاكل مع الشؤون الخارجية هي أننا لا نتوقع تغييرا حقيقيا في هذا الاتجاه إلا بعد أن نرى التغيير يجري بالفعل على قدم وساق. أرى أن الإمكانية المتثلة في تحول مصلحة واهتمام الولايات المتحدة من السعودية إلى إيران مجرد واحدة من تلك التغييرات التي تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن. غير أنه مع القليل من المبادرات الجيدة والاستراتيجية، قد لا يكون هذا التحول بعيد المنال على الإطلاق.

س: في تقرير صدر مؤخرا، قام موقع ميديا لينز - وهو موقع تابع لمنظمة بريطانية تهتم بتحليل الإعلام المسيس والمضلل - بتحليل التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية لحرب اليمن، واستشهد التقرير بعدد من "أوجه القصور" في الطريقة التي تم فيها التعامل إعلاميا مع الغارات الجوية السعودية والخسائر البشرية المترتبة عليها. وذكر التقرير أن وسائل الإعلام في المملكة المتحدة وأمريكا فشلت في تقفي تورط حكوماتها في الحرب على اليمن ودورها في معاناة شعب هذا البلد العربي. هل تعتقد أن ردة فعل وسائل الاعلام حيال حرب اليمن كانت منحازة كما يشير موقع ميديا لينز؟

ج: هذه المسأله شائكة دائما، لأن الحرب وببساطة عنيفة بشكل مروع كما يتضح من خلال الفوضى والإضطراب. فالحصول على أرقام دقيقة لعدد الضحايا والأثر الحقيقي للضرر في الوقت الذي لاتزال فيه الحرب مستمرة يمثل دائما مشكلة شائكة لوسائل الإعلام. هذا لا يعني أن جميع وسائل الإعلام متساوية في هذا. في الواقع، في أمريكا لدينا مشكلة شائكة والتي أعتبرها بأنها "التعمية على الأخبار من خلال التعليق عليها". أتحدث هنا عن اولئك النقاد الذين يهولون الأمور في كثير من الأحيان بأسلوب وموهبة عظيمة حتى مع وجود القليل من الأدلة، والذين غالبا ما يصورون أنفسهم على أنهم "خبراء" في المواضيع التي يناقشونها، وهم ليسوا كذلك في أكثر الأحيان. لكن نظرا لأن مصلحة الشركات الإعلامية التي تمنح هؤلاء النقاد مناصب رفيعة تنصب في الحفاظ على تقييم عالي وشعبية مرتفعة، فإنها تفعل كل ما في وسعها لتقديم أقوال النقاد بأسلوب رائع وجذاب. على الجانب الآخر، فإن الأخبار 'المتينة' المكرسة لتحليل هادف وموضوعي طويل تعد شكلا من أشكال الفنون المنقرضة في أمريكا. الحقيقة أن الشعب الأمريكي نفسه لايبدو أنه يملك الكثير من الوقت أو الرغبة في الخوض عميقا في الواقع المحبط للشؤون الدولية.

من الصعب في الواقع إلقاء اللوم على أي شخص لايرغب في سماع الكثير من التفاصيل عن معاناة الأطفال الأبرياء أو التدمير المتعمد للمناطق المدنية في حرب لم يسمع عنها قط تدور في مكان من المرجح أنه لن يتمكن أبدا من إيجاده على الخريطة حتى لو خمن المكان مائة مرة. مع ذلك، ومن ناحية أخرى، فإن الإذعان لهذا الواقع يعني أننا نعزز جهل المجتمع ولامبالاته حيال سكان العالم. أنا مرعوب جدا من القول أن النتائج المترتبة على ذلك قاسية بكل ماتحمله الكلمة من معنى، حيث ستستمر الحروب، وتمتد الكوارث لفترات طويلة، واحتمال  أن تصبح الأعمال الوحشية أكثر شراسة لأن لا أحد يهتم أو يلاحظ أو - في أحسن الأحوال - لن يشعر أحد أنه هناك شيء يمكن القيام به لتغيير الوضع.

في الواقع، فإن الوضع الأكثر فظاعة بالنسبة لي فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية لحرب اليمن هو أن المشكلة ليست الطريقة المنحازة لوسائل الإعلام هنا في الغرب، والتي تحاول تصوير الأمر بطريقة أحادية الجانب وغير عادلة أدت إلى تضليل الرأي العام. كلا، فالمشكلة هي تغييب الصراع بشكل كبير في وسائل الإعلام الرئيسية. وهذا يعني بالطبع أن المواطنين ببساطة غير قادرين على تكوين رأي حول الحرب بطريقة أو بأخرى، لأنهم ببساطة لا يعرفون الحقيقة. ليس هناك وعي حقيقي للصراع في اليمن. أخشى بأنه في ظل هذا الجهل واللامبالاة، سيخرج أسوأ ما في الطبيعة الإنسانية.

* البروفيسور ماثيو كروستون هو رئيس ميلر للاستثمارات الصناعية والأمن الدولي ومدير برنامج دراسات الاستخبارات والأمن الدولي في جامعة بلفيو في ولاية نبراسكا الأمريكية. وقد قام بتأليف كتابين مشهورين جدا والعديد من الفصول والدراسات وما يقرب من عشرين مقال علمي نشرت في عدة مجلات مثل المجلة الدولية للاستخبارات ومكافحة التجسس، مجلة الأمن الاستراتيجي، السياسة الدولية، مجلة الشؤون العسكرية والاستراتيجية، ومجلة التحليل العالمي. حصل البوفيسور ماثيو على درجة الدكتوراة من جامعة براون.

http://katehon.com/news/prof-matthew-crosston-yemen-war-largely-absent-main-media-sources

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق