الأحد، 6 مارس 2016

اليمن تدفع دمارها ثمنا للتحالف بين الولايات المتحدة والسعودية.

بقلم: ستيفن سيش *
الأحد 6 مارس 2016
صحيفة بوسطن غلوب الأمريكية

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

هاهي الحرب المنسية تماما في اليمن تدخل عامها الثاني بعد عام غابت فيه أخبارها تحت ركام العناوين القاتمة حول سوريا والإرهاب والمهاجرين اللاجئين في الشرق الأوسط. في 26 مارس 2015، بدأ تحالف من الدول العربية السنية بقيادة المملكة العربية السعودية حملة جوية تهدف إلى استعادة الحكومة الشرعية في اليمن وإجبار الجماعة المتمردة الشيعية المعروفة باسم الحوثيين على التخلي عن سيطرتها على رقعة واسعة من الأراضي التي استولت عليها بالقوة في اليمن.

وبعد ما يقرب من عام، لازالت الغارات الجوية السعودية تعيث فسادا في البنية التحتية الهشة في اليمن ومستمرة في ترويع السكان المدنيين. ووفقا للأمم المتحدة، فقد قتل ما يقرب من 3000 من المدنيين في الصراع. كما اتهمت لجنة الأمم المتحدة مؤخرا السعوديين بمهاجمة المدنيين والمنشآت المدنية ووثقت وجود 119 طلعة جوية انتهكت القانون الدولي. وردا على ذلك، أعلن السعوديون تشكيل فريق مستقل من الخبراء للتحقيق في هذه الاتهامات على الرغم من أنهم لم يتحدثوا عن نيتهم ممارسة قدر أكبر من الحيطة والحذر في هجماتهم. هذا وكان كبير مسؤولي الأغاثة في الأمم المتحدة قد اتهم الاسبوع الماضي جميع الفصائل المتقاتلة في البلاد بمهاجمة المناطق المدنية.

إذا كنت تعتقد أن هذا لن يؤثر عليك أو على الولايات المتحدة، فعليك إعادة التفكير مجددا. ففي ديسمبر 2009، حاول شخص عرف لاحقا بمفجر الملابس الداخلية تفجير عبوة ناسفة مخيطة في سرواله القصير عند اقتراب طائرته من مدرج مطار ديترويت، لكنه لم ينجح. هذا الشاب كان موفدا ومرسلا من تنظيم القاعدة في اليمن او تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. بعدها بوقت قصير، اعترضت السلطات البريطانية والإماراتية خراطيش حبر محملة بالمتفجرات على متن طائرة متجهة الى الولايات المتحدة، وهذه كانت عملية أخرى للقاعدة في جزيرة العرب.

للأسف، تزدهر القاعدة في جزيرة العرب هذه الأيام، بينما يركز التحالف الذي تقوده السعودية بشكل خاص على دحر الحوثيين الذين تقول حكومة الرياض أنهم ليسوا أكثر من مجرد رأس حربة إيرانية في شبه الجزيرة العربية من الواجب كسرها. وفي الوقت نفسه، شنت القاعدة في جزيرة العرب عدة هجمات ضد أهداف يمنية وتسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، ومن المحتمل أنها مستمرة في التخطيط للمزيد من الهجمات الخارجية في ضل حالة الإفلات من العقاب الظاهرة على الرغم من هجمات الطائرات بلا طيار التي تقوم بها الولايات المتحدة بين الحين والآخر.

هنالك أيضا أسباب إنسانية مقنعة يفترض أن تدفع الولايات المتحدة للاهتمام أكثر إزاء ما يحدث في اليمن، ففي الوقت الحاضر، وبحسب ارقام الامم المتحدة، هناك ما يقرب من 80 في المئة من سكان اليمن في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، بالإضافة إلى 2.5 مليون نزحوا من منازلهم منذ اندلاع الحرب وهم الآن مشردون في الداخل.

ومما يبعث على الأسى أن الولايات المتحدة تبدو أكثر عزما على اعادة تأكيد التحالف مع المملكة العربية السعودية بدلا من الضغط من أجل حل تفاوضي للنزاع. حيث قال وزير الخارجية جون كيري عقب اجتماعه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي في الرياض "نحن نواجه تمرد حوثي في اليمن وتهديد مستمر تمثله القاعدة واللذان يهددان السلامه الإقليمية للمملكة العربية السعودية، ونحن. . . نقف مع أصدقائنا في المملكة العربية السعودية". لم يقل كيري شيئا عن التأثير الشديد لحرب اليمن في زعزعة استقرار المنطقة أو عن الأزمة الإنسانية التي سببتها الغارات الجوية السعودية ولم يتطرق إلى الحاجة لمضاعفة الجهود من قبل أطراف النزاع للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض .

بالطبع، فإن الولايات المتحدة تقوم بدور  أكبر من مجرد مراقب عادي للصراع في اليمن. فقد استمرت إدارة أوباما في تقديم الدعم المادي للغارات الجوية السعودية منذ أن بدأت، بما في ذلك الذخائر والخدمات الاستخباراتية واللوجستية.

تحدث السناتور كريس ميرفي أمام مجلس العلاقات الخارجية يوم 29 يناير - وهو نائب ديمقراطي من ولاية كونيتيكت وعضوا في لجنة العلاقات الخارجية - محذرا ومنوها بشأن المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة من خلال استمرار دعمها لحرب الرياض، قائلا "هناك أدلة متزايدة على أن دعمنا للتحالفات العسكرية التي تقودها السعودية في أماكن مثل اليمن تتسبب في إطالة أمد المأساة الإنسانية وتدعم التطرف. . . . تقول الحكومة إن أولويتنا الأولى في اليمن هي هزيمة تنظيم القاعدة الدموي في جزيرة العرب. لكن هذه الفوضى المستمرة قد خلقت فراغا أمنيا لا يمكن فيه لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلا أن يزدهر ويتوسع".

وهذا لا يعني القول بأنه يجب على الولايات المتحدة قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. فالمملكة شريك أساسي في مكافحة الإرهاب وتأثيره الهائل في العالم العربي والإسلامي. تشكل دول الخليج العربية ومن بينها السعودية واحة من الاستقرار النسبي في الشرق الأوسط على خلاف الفوضى الموجودة هناك. والحقيقة هي أنه من المبرر تماما تشكيل ائتلاف وإطلاق حملة تهدف إلى هزيمة التمرد الحوثي وجعل الأمر واضحا بأن المجتمع الدولي لن يقبل أبدا اغتصاب السلطة الشرعية بفوهة البندقية.

غير أن العقاب السعودي القاسي على اليمن في سبيل تحقيق هذا الهدف يبقى محيرا، لأنه يولد حالة من عدم الاستقرار وهو الشيء الذي يفترض أن دول الخليج العربي في حاجة ماسة إلى تجنبه. وبالنظر إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام وعدم الاستقرار ليس فقط على المستوى السياسي بل أيضا على المستوى الاقتصادي، فإن السعودية لم يعد لديها متسع من الأموال لاستنزافها في دعم حملة عسكرية في اليمن ليس لها نهاية في الأفق.

لاحظ أحد الدبلوماسيين في المنطقة مؤخرا أن الربيع العربي الحقيقي بدأ "عندما اكتشفنا أن الرئيس أوباما إما أنه كان غير راغب أو غير مهتم بالعمل في منطقة الشرق الأوسط" لأنه أشار إلى شركائنا العرب بأنهم لم يعودوا بحاجة للتنسيق مع واشنطن قبل اتخاذ التدابير التي يرونها مناسبة لحماية أمنهم.

وهذا هو ماقامت به المملكة العربية السعودية منذ مايقرب من عام، غير أن العواقب غير المقصودة من حربها على اليمن جعلت، ليس فقط المنطقة، بل  العالم، أقل أمنا. ليست مسؤولية الولايات المتحدة وحدها أن تحل هذه الأزمة، ولكن القيادة الأميركية تحتاج أن تصل بها إلى نهايتها. لا ينبغي لنا أن نخلط بين غياب الحرب في عناوين الصحف وغياب الحاجة الملحة لإيقافها.

* أمضى ستيفن سيش 35 عاما من حياته كمسؤول في الخارجية وشغل منصب سفير الولايات المتحدة في اليمن من عام 2007 إلى عام 2010. وهو يعمل حاليا في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.
https://www.bostonglobe.com/opinion/2016/03/06/yemen-destruction-one-cost-saudi-alliance/NqkxsFjsr4ypZeWPjujisN/story.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق