كارلين كليجار
صحيفة الغارديان - لندن
الاثنين 9 نوفمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
سافرت الى تعز في نهاية سبتمبر. الوصول إلى اليمن صعب - بالكاد يمكن لأي طائرة السفر إلى هناك - ولهذا يملك أطباء بلا حدود الآن طائرتهم الخاصة الصغيرة القابعة في جيبوتي. تحتاج إلى إذن من كلا الطرفين للسفر إلى العاصمة صنعاء، حيث يتحكم أحد الأطرف المتحاربة بالمطار في حين يتحكم الآخر بالمجال الجوي، وأنت لا تريد أن تتعرض للقصف قبل حتى أن تهبط الطائرة على الأرض.
سافرنا من صنعاء إلى تعز. كان علينا عبور العديد من نقاط التفتيش، ومررنا بالكثير من مزارع القات. بعض الجسور تم قصفها، لذلك كنا في بعض الأحيان نقود مباشرة إلى أسفل الوديان ثم نتجه صعودا إلى الجانب الآخر.
الوضع في مدينة تعز يُظهر الدمار. إنها مدينة كبيرة يقطنها 600 ألف نسمة. هناك قتال فعلي وغارات جوية يومية وإحساس كبير بالخوف. الناس مرعوبون من أن يصاب أطفالهم أو يقتلون، ولديهم سبب وجيه لخوفهم هذا.
قبل أسابيع قليلة، كان الأب يلعب كرة القدم مع أولاده الثلاثة عندما سقطت قذيفة. لم يتم إحضارهم إلى المستشفى ونتيجة لهذا توفي أربعتهم في غضون ثوان.
الكثير من الضربات الجوية تحدث في الليل. وأنت مستلق على سريرك الخاص، تسمع تحليق الطائرات فوق المدينة، ثم تسمع الصفير المصاحب لسقوط القنبلة، ثم تهيء نفسك للتأثير وأنت تؤمل أن القنبلة لن تضرب المبنى الذي أنت فيه. وحين تضرب القنبلة مبنى آخر غير منزلك فإنك تشعر، فضلا عن كونك خائفا، انك مرتاح أيضا.
ضجيج الضربات الجوية عال جدا وشديد لدرجة يمكنك أن تشعر بها فعلا في عظامك. هذا هو ما يمر به الناس كل ليلة، لشهور متتالية.
يحاول الناس في تعز التحرك بأقل قدر ممكن، وذلك بسبب نقاط التفتيش، وخطر التواجد في مناطق القتال أو التعرض للقصف من قبل الغارات الجوية. ولكن هناك تناقضات حادة. يمكن أن تقود سيارتك في شارع فارغ تماما إلا من وجود حواجز للمقاتلين للإختباء ورائها، ولكن ما أن تقوم بالإنعطاف حتى تجد نفسك في شارع مزدحم مليء بإشخاص ذاهبون للتسوق وأطفال يلعبون. ولكن في الوقت نفسه، أضافت الحرب لمستها على كل شيء، الأطفال لديهم لعبة تسمى "واحد اثنان ثلاثة .. ضربة جوية" والتي يرمون فيها أنفسهم على الأرض.
أسعار المواد الغذائية والوقود مرتفعة جدا في كل أنحاء اليمن بسبب حصار الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة و قوات التحالف بقيادة السعودية كما تشارك الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في هذا الحصار الذي يمنع كل سفن الإمدادات من دخول اليمن. تعتمد اليمن على استيراد 90٪ من احتياجاتها الغذائية والوقود، لذلك ارتفعت الأسعار.
المياه النظيفة تمثل مشكلة أيظا كون الماء يحتاج لأن يتم ضخه من طبقات المياه الجوفية العميقة وليس هناك وقود لتشغيل المضخات. هناك زيادة واضحة في حالات سوء التغذية. يختصر الناس وجبات الطعام، لا يأكلون بشكل صحيح ويعيشون على مدخراتهم. يجري ببطء استنزاف وسائلهم للصمود والتصدي.
ويزداد الوضع سوء في أحد أحياء مدينة تعز يقطنه حوالي 50 ألف شخص يرزحون تحت حصار مطبق منذ يوليو تموز. يمكن للمواطنين عبور نقاط التفتيش في تلك المنطقة المطوقة سيرا على الأقدام ولكن لايسمح لهم في الغالب إحضار أي طعام أو ماء أو وقود إلى الداخل. شاحناتنا المحملة بالأدوية لتزويد اثنين من المستشفيات داخل المنطقة المطوقة علقت عند نقطة تفتيش لأكثر من ستة أسابيع. إنه شيء محبط للغاية.
تملك تعز عادة 20 مستشفى، ولكن 14 منها أضطرت للإغلاق لأنها تضررت بفعل الغارات الجوية والقصف أو نتيجة نفاد الأدوية والوقود والطواقم الطبية. تدعم منظمة أطباء بلا حدود المستشفيات الستة لتبقى مفتوحة عند الحاجة. معظم المرضى مصابون بجروح انفجارات و أعيرة نارية.
أثناء زيارتي لأحد المستشفيات التي ما زالت تعمل، التقيت أربعة أولاد صغار، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والعاشرة، اثنان منهم أشقاء. كانوا يلعبون بذخيرة لم تنفجر، حين قاموا بإلقاء قنبلة يدوية على الحائط لتنفجر مخلفة اثنان منهم بجروح خطيرة.
جرت معالجة الأولاد المصابين على يد مدير المستشفى الذي كان أيضا الجراح الوحيد الباقي في المستشفى. كان يقوم بكل العمليات الجراحية بنفسه و كان مرهقا. وعلى الرغم من أنه كان مستشفى خاص، إلا أنه لم يطلب المال من مرضاه، قائلا أنهم يمكن أن يدفعوا له لاحقا بعد الحرب. عندما قدمنا له دعمنا، انهار باكيا. كان رجلا رائعا ولكنه أيضا مجرد واحد من اولئك العاملين العديدين في المجال الطبي اليمني اللذين يكافحون من أجل دعم شعبهم بأي طريقة ممكنة.
منظمة أطباء بلا حدود هي المنظمة الدولية الوحيدة العاملة في تعز، ولكن رغم ذلك تأثيرنا ليس بتلك الضخامة. ينصب تركيزنا على حالات جرحى الحرب والطوارئ، مع دعم العمليات الجراحية والرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية. جعلت الحرب من الصعب جدا على الناس الوصول إلى الخدمات الصحية العادية. ونظرا لأهمية أن يكون للنساء والأطفال مكان يمكنهم الذهاب إليه لتلقي الرعاية الصحية فإننا نخطط الاسبوع المقبل لفتح مستشفى خاص بالأم والطفل في تعز.
http://www.theguardian.com/global-development-professionals-network/2015/nov/09/yemen-the-children-have-a-game-called-airstrike-in-which-they-fall-to-the-ground
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق