كينيث ديفيس - هافينقتون بوست
الإثنين 16 نوفمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي ضرب باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر، فإن أكبر تهديد نواجهه الآن ليس المزيد من الهجمات من قبل داعش بل استسلام قادتنا للخوف والغضب من خلال التصعيد العسكري والأمني. هذه القرارات غالبا ما تكون متهورة وبدون استراتيجية طويلة الأمد وتؤدي إلى مزيد من تطرف الإرهابيين وزيادة في قمع الحريات المدنية للمواطن.
إن أعظم سلاح لدينا ليس العدالة بل الرحمة. كيف يمكن أن تكون هناك عدالة عندما يكون هناك الكثير من القتلى من الجانبين؟ كيف يمكن إحياء العدالة إذا كانت مؤججة بالانتقام والسعي وراء المعاقبة؟ الحرب لن توصلنا إلى أي مكان، ستأخذنا فقط بعيدا عن عالم موحد للسلام.
أضيئت النصب التذكارية والسفارات في جميع أنحاء العالم بألوان العلم الفرنسي كتعبير عن التضامن، واتجه الأشخاص في تويتر لإظهار دعمهم لباريس. كان الإعلام سريعا في عرض التضامن القادم من أجزاء معينة من العالم ولكنه أهمل التركيز على مظاهر الدعم والتضامن من الأشخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
وفي نفس الوقت، برزت مظاهر الخوف من الإسلام (الإسلام فوبيا) في كامل قوتها مما حدا بالمسلمين وحلفائهم في جميع أنحاء العالم للدفاع عن أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاقات (وسوم) يؤكدون فيها أن المسلمين ليسوا إرهابيين. هذه الكراهية تؤدي إلى مزيد من الخوف ومزيد من العنف ومزيد من الحروب وتعمق الانقسامات الإنسانية، هذه الكراهية هي ما يجب علينا محاربته، وهنا يكمن السبب في ضرورة تحلينا بالرحمة.
نحن نعيش في عالم مترابط ومتوافق وإن صح القول عالم غير مناطقي. إن فيض التضامن المنهمر يدل على أن ثقافاتنا وتاريخنا وهوياتنا قد تعرضت للتصادم. بالنسبة للكثيرين منا، فإننا نشعر بالفخر والاتحاد والتفاؤل والأمل والتعاطف تجاه إخواننا من بني البشر.
ومع ذلك، فهناك أشخاص من جميع أنحاء العالم يشعرون بأنه تم إهمالهم، يشعرون بالتهميش والاضطهاد من قبل النظام العالمي الدولي. لقد فقدوا الشعور المحلي بهويتهم ولكن لم يتم قبولهم في المجتمع الدولي الأوسع وهذا ينعكس في العنف الممنهج والتحيز والحرمان الاقتصادي الذي يواجهونه. ولن تجد مكاناً في العالم يزادا فيه ذلك من المناطق التي استولت عليها داعش، ولن تجد ذلك أكثر أثراً على أي أناس في العالم مما هو عليه بالنسبة للشباب المسلم من كل أنحاء العالم. إن الوهابية، التي تعتبر أساس الإسلام المتطرف، لا تمثل تاريخ وعقيدة الإسلام ولا الثقافة والهوية في العالم العربي.
تنمو الوهابية على الخوف والكراهية وتفترس صغار السن والشباب المحرومين. ومع كل إعلان حرب وكل تدفق للعنف وكل إدانة يعلنها النظام الدولي ضد أولئك الذين ظل هذا النظام يتجاهلهم، يزداد شعور هؤلاء الأشخاص باليأس وتزداد حاجتهم للانضمام إلى البديل الوحيد المتاح أمامهم للدخول ضمن مجتمع.
نحن من حكم على هؤلاء الأشخاص بالفشل، هؤلاء البشر الذين يحتاجون إلى تعاطفنا أكثر من غيرهم. إن داعش أحد أعراض غياب المساواة والحرمان، وليست تجسيدا لكل ما هو شر في العالم. حتى لو تمكنا من تدمير قيادتهم وتفكيك عملياتهم سيبقى الدافع الكامن وراء ذلك يترعرع متلهفا لاتخاذ شكل جديد. لذلك، فإن أفضل سلاح لدينا نواجه به أكبر تهديداتنا هو الرحمة.
يجب أن نسعى لوضع حد للتفاوت ودعوة الجميع للمشاركة في الثروة وسعادة البشرية. هذا لن يكون سهلا، فهو يتطلب وقتا وحذرا ومحادثات صعبة للغاية حول القيم والمعتقدات الثقافية. ومع ذلك، فقد قطع العالم شوطا طويلا في وقت قصير جدا حيث أثبت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في العام 1948 قدرتنا على تجاوز الخلافات وإيجاد أرضية مشتركة للحقوق الإنسانية. لقد كان جهدا دوليا تعاونيا حضي باعتراف الدول في جميع أنحاء العالم وأصبح الأساس لنظام حقوق الإنسان الذي غير كل الأمم في العالم.
لا نملك الأمل فقط، بل نملك الدليل على تجاوز خلافاتنا والمشاركة في الصالح العام. دعونا نستمر في دعوة المزيد والمزيد من الناس إلى طاولة الحوار لمواصلة الكفاح ضد الظلم، خاصة تجاه أبناء جلدتنا من بني البشر الذين يعتبرونا أعداءهم.
عنفنا سيعزز غضبهم في حين أن تعاطفنا سيغيرهم. دعونا نشارك تعاطفنا وتضامننا ليس فقط مع باريس، ولكن مع بعضنا البعض، ومع أعضاء داعش.
إن الرحمة هي أكبر تهديد لاستمرار وجود داعش.
http://m.huffpost.com/us/entry/8572072
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق