الأحد، 22 نوفمبر 2015

بعد مالي وباريس، متى ستنتهي هذه الموجة الأخيرة من الهجمات الإرهابية؟

جيسون بيرك - صحيفة الجارديان
الأحد 22 نوفمبر 2015

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

يبين لنا التاريخ أن التطرف الإسلامي قد جاء في مراحل زمنية مختلفة منذ الستينات في القرن الماضي. هذه هي المرحلة الرابعة. وعلى الرغم من أن جهاديي اليوم سيسقطون بالتأكيد في الوقت المناسب، فمن الخطأ أن نرى ذلك على أنه نهاية اللعبة.

تكوم الغبار في باماكو، مالي، وتساقط الرذاذ على ساحة القصر الجمهوري في باريس، وبروكسل تخشى "هجوم وشيك". هاهو ذا أسبوع آخر يبدأ.

بعد أهوال الأيام التسعة الماضية، يخشى الملايين في جميع أنحاء العالم حدوث المزيد من العنف في قادم الأيام. وفي هذا، نجح الإرهاب في تحقيق هدفه الرئيسي المتمثل في الترهيب أو إشاعة التوتر الغير متناسب مع التهديد الذي يتعرض له الشخص. لقد تم إنشاء مناخ من الخوف. وهذا، على ما يبدو، هو أنسب وقت للقتل، سواء في والفنادق والمقاهي وقاعات الحفلات الموسيقية أو على متن الطائرات أو في أي مكان آخر.

السؤال الذي يطرحه الكثيرون بسيط جدا، متى سينتهي هذا؟ الجواب القصير والمحبط هو أن هذا قد يستمر لعقود.

لكي نفهم السبب، نحن بحاجة الى ان ننظر الى الوراء فضلا عن أن ننظر إلى الأمام. لم تأتي موجة الإرهاب الحالية هذه من العدم، ولكن لها جذور تمتد إلى 40 سنة أو أكثر. سيقول البعض، لاسيما اليمينيون، أن القصة تعود مرة أخرى إلى ولادة الإسلام في القرن السابع الميلادي. فيما سيشير البعض الآخر، وغالبا هم اليساريين، إلى أنها ردة فعل ضد موجات متتالية من الإمبريالية الغربية في العالم الإسلامي والتي بدأت في عام 1798.

في الواقع، فإن العنف الذي نواجهه اليوم على الرغم من تأثره بعوامل متصلة  بقرون خلت، إلا أنه بدأ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما تدفق الفكر الإسلامي من الهامش نحو المجتمعات كجزء من طفرة دينية عابرة للحدود في العالم الإسلامي. ومع فشل الأنظمة التي استوحت الشعارات الغربية كالقومية والعلمانية والاشتراكية في التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحادة، فإن مايسمى بالبديل الموثوق المبني على الإيمان صار مطلبا جماهيريا. استولى الاسلاميون في إيران على السلطة في عام 1979 مندفعين بالشعارات التي أصبحت مألوفة الآن ضد الغرب وإسرائيل والانحطاط والظلم الاجتماعي.

في الواقع، فإن فكرة أن الدولة الحديثة يجب أن تعمل وفقا لتفسير معين للتعاليم الإسلامية كانت بعيدة كل البعد عن ما يدعيه أنصارها. كما ظهر مذهب محافظ آخر أكثر تشددا وتصلبا وصفه النقاد بالوهابية معززا برجال دين ممولون من عائدات النفط الخليجي. وعلى هامش هاتين الحركتين نشأ رجال عنيفون كأولئك الذين استولوا على المسجد الحرام في مكة المكرمة في عام 1979 أو أولئك الذين قتلوا الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981، أو الذين فجروا أنفسهم في لبنان في بداية الثمانينات. وهاهو العالم يستيقظ على تهديد جديد. في نهاية المطاف فإن حملات القمع في مصر وأماكن أخرى، مثل تلك التي تسببت بقتل الآلاف من الإسلاميين في سوريا في عام 1982، في الواقع قد كبحت المشكلة. ولكن بشكل مؤقت فقط.

وجائت المرحلة الثانية من النشاط الإسلامي المصحوب بتشدد عنيف بعد عقد من الزمن. وقد اشتمل ذلك على دعم قدامى المحاربين المشبعين بأفكار الصراع في أفغانستان علاوة على قمع الإسلاميين "المعتدلين" والضغوط الاقتصادية في العالم الإسلامي. ولكن هذه المرحلة كانت مميتة، حيث تسببت الصراعات الأهلية في الجزائر ومصر والأردن وغيرها في مقتل مئات الآلاف. كان العنف وحشيا مع ارتكاب المجازر وقطع الرؤوس. ومن ناحية أخرى، كان تطوير تقنيات الهجمات الانتحارية جار على قدم وساق، و انصهرت التوأمة الإسلامية المتمثلة في المشروع السياسي والمذهب الوهابي لتشكل عقيدة جديدة وقوية. هذه المرة، أدى الاستنزاف والانقسام داخل الفصائل المسلحة، فضلا عن القمع، إلى إضعاف حدة التهديدات.

وجاءت المرحلة الثالثة في نهاية التسعينات من القرن الماضي. هذه المرة كان الهدف عالمي. أطلق تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن سلسلة من الضربات بلغت ذروتها في هجمات 11/9 عام 2001. زادت هذه الحملة من العنف الدولي جراء غزو العراق واستمرت حتى نهاية العقد الماضي، حين بدأت أيضا بالتلاشي. وقد كان العامل الرئيسي هذه المرة هو رفض المسلمين في جميع أنحاء العالم لأفكار وأساليب بن لادن بعد أن كانت المؤشرات قد أظهرت في وقت مبكر انجذاب البعض لها. ومع تدهور القاعدة نفسها وقطع رأسها في نهاية المطاف - تم قتل بن لادن في عام 2011 - بدا مسؤولو الأمن أكثر سعادة مما كانوا عليه منذ سنوات. كان التهديد الرئيسي، كما قيل حينها، مجرد "ذئاب وحيدة" دون قائد.

ثم جاءت هذه المرحلة الجديدة، متمثلة في تبعات الربيع العربي والعنف البشع في سوريا وفشل العراق (وصنع السياسات الغربية في الشرق الأوسط) والمشاحنات الإقليمية وتجدد التنافس بين الشيعة والسنة وصعود تنظيم الدولة الإسلامية. أضف إلى ذلك أزمات متعددة في أوروبا، بما فيها أزمة توحيد طبقات المجتمع بدمج الصغار المولودين محليا من آباء خلفياتهم الإسمية إسلامية، ثم ها نحن على ما نحن فيه اليوم.

هذه الخلفية التاريخية تخبرنا العديد من الأشياء. وهو ما يفسر، على سبيل المثال، طبيعة التركيبة الهجينة لداعش، كون ذلك أحد الأسباب التي تجعل التهديد الذي تشكله على درجة عالية من التعقيد. هذه المنظمة تقترض عناصرها من كل المراحل التي ذكرناها آنفا. فهي تقتبس من فترة السبعينات رؤية الدولة الاستبدادية التي يجب إنشاها إذا لم يكن بالإمكان الحصول عليها. و تأتي الهجمات الوحشية وعمليات الانتحار من فترة التسعينات. أما مشهد الحملة العالمية للهجمات الإرهابية فتأتي من بدايات فترة تنظيم القاعدة، في حين تأتي الدعوة إلى "الجهاد بلا قيادة" من فترة السنوات اللاحقة لتنظيم القاعدة.

ولكن داعش جلبت أيظا عناصرها الخاصة جدا، والمتمثلة في فكرة الترويع الشعبي والطائفية الشرسة والجزع وإعادة إنشاء الخلافة فورا.

يبين لنا التاريخ أيضا أن شدة التطرف الإسلامي قد ارتفعت وانخفضت في فترات زمنية على مدى العقود الماضية. هذا يبعث على الاطمئنان، لكن الكثير من الخبراء يعتقدون أن الموجة الجديدة من أعمال العنف التي تقودها داعش، لا تزال ترتفع. ومع ذلك، من شبه المؤكد أن تنحسر هذه الموجة مرة أخرى عندما يتفاعل صناع السياسات والجماهير وتتكيف الخدمات الأمنية وتعاني الميليشيات كل أنواع الاستنزاف.

في الوقت الراهن هناك حالة من الجمود التكتيكي في سوريا والعراق. داعش غير قادرة على الصمود إذا لم تتمكن من التوسع. الفجوة التي فتحت بين التهديد الذي شكله متطوعي داعش في الغرب وبين الموارد المخصصة لمواجهة هذا التهديد جعلت الدول الغربية عرضة للخطر. كل هذا من المرجح أن يتغير في السنوات المقبلة و يمكننا أن نكون واثقين من أن ميزان القوى سيتأرجح مرة أخرى بعيدا عن المتطرفين كما حدث في المراحل السابقة.

ولكن تتبع نمو التهديد المعاصر محبط أيضا. ورغم هذا يمكن أن نتطلع إلى الوقت الذي تتفتت فيه داعش، ولكن احتمالية أن تكون الفترة الحالية هي الأخيرة، بالتأكيد لاتزال بعيدة.

http://www.theguardian.com/world/2015/nov/22/paris-mali-when-will-terror-attacks-end

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق