الاثنين، 23 نوفمبر 2015

اليمن ليست باريس: لامبالاة الإعلام الغربي

جالفير ديلقادو ريفيرا
أوبن ديموكراسي - لندن
الأحد 22 نوفمبر 2015

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

| اليمن دولة فاشلة دمرها القتال و قتل الآلاف من المدنيين جراء معاناة واسعة النطاق وحضور قوي للجهاديين. قليل جدا من العناوين الصحفية تطرقت لهذا |

لم تكن اليمن سلعة رئيسية في وسائل الإعلام الغربي على الإطلاق. ولكنها طفت إعلاميا على السطح مع أحداث الربيع العربي و انسحاب علي عبد الله صالح في فبراير 2012 من منصبة كرئيس للبلاد بعد ثلاثة وثلاثين عاما كان فيها الرجل القوي. في يناير من هذا العام عادت اليمن للظهور مجددا على شاشاتنا عندما سيطر الحوثيون، وهم جماعة شيعية زيدية، على الحكومة. وردا على ذلك، بدأ التحالف السني بقيادة السعودية وبدعم أمريكي بقصف جنوب البلاد في مارس لإضعاف المتمردين. ووسط الفوضى وغياب المؤسسات، تمكن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأتباع الدولة الإسلامية في المنطقة من تعزيز وجودهم في هذه الزاوية من الشرق الأوسط.

تسببت هذه السلسلة من الأحداث بكارثة إنسانية في اليمن. ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والوكالة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 84٪ (21.1 مليون) من اليمنيين غير قادرين على توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبية. وقد اضطر نحو 1.5 مليون يمني للنزوح من منازلهم. وقتل أكثر من 5600 شخص منذ مارس، منهم حوالي 2700 من المدنيين.

وقد تفاقم هذا الوضع من خلال الحصار البحري الذي دبرته قوات التحالف بقيادة السعودية لقطع الامدادات على الحوثيين. وبالكاد تقوم اليمن الآن باستيراد الغذاء أو الوقود اللازم للحفاظ على المولدات الكهربائية وسيارات الإسعاف ومضخات المياه العاملة. بعد زيارته لليمن في أغسطس الماضي، قال بيتر مورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر "اليمن في خمسة أشهر مثل سوريا بعد خمس سنوات ... يحتاج العالم أن يستيقظ وينتبه لما يجري". لاتزال التغطية الإعلامية عن اليمن مخزية حتى الآن، لاسيما فيما يتعلق بالوضع الإنساني المتردي فيها. ولكن لماذا هذا؟

الحقيقة هي أن واحدا من أفقر دول العالم وأكثرها جوعا والذي ضربته فوضى قاتله من صنع الإنسان، قد فشل في إحداث تأثير مستدام في وسائل الإعلام الغربية بنفس الطريقة التي فعلته صراعات مماثلة. وبحسب سارة روي، مساعد في مركز هارفارد لدراسات الشرق الأوسط، فإن الحرب الأهلية الليبية التي أطاحت بالقذافي وأدت لمقتله عام 2011، أو العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حركة حماس في قطاع غزة في صيف 2014 قد أنتجت سخطا إعلاميا أو "شعورا أخلاقيا ملحا بالمسؤولية" أكثر بكثير مما فعله، وسيفعله، الصراع في اليمن رغم أن عدد المدنيين الذين قتلوا في اليمن أكثر من اللذين قتلوا في غزة.

لقد شكل العدد القليل جدا من المراسلين الدوليين والمحليين على الأرض تحديا أمام مسألة التحقق من صحة الوقائع. يقول شارلين رودريغيز، وهو صحفي مستقل يقيم في العاصمة اليمنية صنعاء "الصحفيون المحليون إما فروا إلى قراهم أو غادروا البلاد، وهناك عدد قليل من الصحفيين الأجانب في البلاد بعيدين قليلا عن الاضواء". مع غياب أو خطورة الطرق البحرية والبرية لليمن، فإن الرحلات الجوية بمعدل مرتين كل اسبوع إلى صنعاء تحت سيطرة السعودية تمثل الى حد كبير الخيار الوحيد للصحفيين الأجانب لدخول البلاد.

يقول عماد عون المدير الإعلامي لأوكسفام اليمن " يستجيب الجمهور بشكل أفضل للقصص الإنسانية والصور ومقاطع الفيديو التي ترسم صورة لما يكون عليه وضع العيش تحت الحصار و وسط الحرب. ولكن في حالة اليمن فإن هذه المنتجات شحيحة على أرض الواقع. بدون الصحفيين في البلاد، تتلاشى اليمن ببطء من وعي الناس".

أصبحت مواكبة الأحداث من داخل البلاد شحيحة جدا عندما أغلقت القوى الدولية الكبرى سفاراتها وأجلت دبلوماسييها في أعقاب قرار الامم المتحدة منتصف أبريل المطالب بإنهاء العنف في اليمن.

ونظرا للنقص الشديد في عدد الصحفيين والدبلوماسيين فقد أصبح المئات من عمال الاغاثة الناشطون في البلاد مصدرا رئيسيا في مواكبة تغطية الأحداث من الميدان. وتحافظ وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الخيرية مثل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود على حضور كبير. وفي أواخر أكتوبر، ظهرت أخبار قصف الغارات الجوية السعودية للمستشفى الوحيد في منطقة شمال غرب حيدان والذي تديره منظمة أطباء بلا حدود بفضل إدانة عمال الاغاثة في المنظمة. يستخدم العاملين في المؤسسات الخيرية احيانا قنوات وسائل الإعلام الرئيسية لتسليط الضوء على الوضع المروع في اليمن التي مزقتها الحرب.

يقول كارل شمبري، المستشار الإعلامي في مكتب الشرق الأوسط الإقليمي للمجلس النرويجي لللاجئين "إنه لأمر مأساوي أن 61% من اليمنيين كانوا بحاجة للمساعدات الإنسانية حتى قبل اندلاع الأزمة الحالية. وقد استمر ذلك لنحو عقد من الزمان بعيدا عن أي تغطية في وسائل الإعلام". وبحسب صوفيا دينغلي، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة هال، فإن هذه اللامبالاه الإعلامية قد تعززت نتيجة انطواء الطبقة السياسية الغربية لا سيما "غياب المشاركة السياسية لليساريين [التي ظهرت بالفعل مع قضية فلسطين]".

يقول فينان كانينغهام، وهو كاتب مساهم لروسيا اليوم، أن حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا متورطة في جرائم خطيرة "وتتحمل المسؤولية" نظرا لأنها تقدم الدعم الاستخباراتي واللوجستي للتحالف العربي وهو ماورد عن [سي إن إن والبي بي سي وفرنسا 24]". لايمكن أن نعزو لامبالاة وسائل الإعلام الرئيسية حيال هذا الصراع إلى عدم أهمية اليمن. حيث أن الدور المحتمل لليمن باعتبارها أحد موردي النفط إلى الغرب وسيطرته على ميناء عدن الرئيسي الذي يمثل بوابة الدخول إلى البحر الأحمر والبحر العربي، بالإضافة لقرب اليمن من الصومال المضطربة والموقع الاستراتيجي لصنعاء في الصراع السني الشيعي، كل هذا يجعل اليمن منطقة هامة للقوى الغربية والإقليمية لاحتواء الوضع هناك.

بالنظر إلى الصراع اليمني الذي تفوقت عليه فوضى السوريين والعراقيين، فإنه لا يزال من المستغرب أن تكون طبيعة التدخل العربي في اليمن قد فشلت في إثارة ما يكفي من علامات الإستفهام. الحقيقة الجلية هي أن قيام المملكة المستبدة السعودية الغامضة والغنية بتوجيه أنظمة استبدادية كالنظام المصري والسوداني في الاعتداء الدموي على واحدة من أفقر دول العالم يجب بالتأكيد أن يدفع المحررين الغربيين لإلقاء نظرة أقرب بكثير إلى اليمن.

من بين كل القنوات الإخبارية الرئيسية الغير مملوكة للدولة والتي تبث اخبارها باللغة الإنجليزية هناك فقط أربع قنوات تغطي الصراع في اليمن بشكل واسع. تقدم قناة روسيا اليوم وتلفزيون إيران برس تقارير يومية تقريبا عن الفظائع التي ترتكبها قوات التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المتحالفون مع إيران.

على الجانب الآخر، تبقى قناة الجزيرة القطرية موضوعية بعض الشئ في تقاريرها الموسعة عن الصراع، حيث كان الخبر الأبرز حضورا في الذاكرة هو أن قطر أرسلت 1000 جندي إلى اليمن كجزء من التحالف العربي. وفي نفس الوقت، لاتفعل قناة العربية المملوكة للسعودية أكثر من تمجيد تقدم التحالف العربي في مايمكن اعتبارة حربا إعلامية في مواجهة قناتي روسيا اليوم و إيران برس.

عودة الزخم الإعلامي لداعش عقب مجزرة باريس ستضع اليمن في محل انتباه المعلقين قريبا. الفوضى الدموية التي تجتاح البلاد وزيادة المظالم الناجمة عن الغزو العربي ستضمن انتشار الطائفية والجهاديين لعدة سنوات قادمة. يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دورا استباقيا في تحذير قادتنا من أن عراق آخر و سوريا أخرى هي الآن في طور التكوين.

https://www.opendemocracy.net/arab-awakening/javier-delgado-rivera/yemen-is-not-paris-western-media-s-cold-shoulder

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق