*روي عباس - هافينغتون بوست - نيويورك
السبت 21 نوفمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
تلاطمت إمواج الإنترنت بتفاهات مبتذلة وسط هجمات باريس الإرهابية المروعة الأسبوع الماضي. أصبحت الأساس لكل الإكليشات السخيفة. غالبا لم يتمكن أحد من مقاومتها. لقد تم توظيفها من قبل الجميع ابتداء من الرئيس أوباما وصولا إلى مدوني وسائل الاعلام الاجتماعي كما برزت فجأة في كل مكان، من قناة الجزيرة القطرية إلى قناة روسيا اليوم التي يمولها بوتين إلى قناة روسيل براند على يوتيوب.
لا يبدو أنه يمكن لغلين غرينوالد و نعوم تشومسكي و روبرت فيسك العيش بدونها، لقد أصبحت شعارا لأعداد كبيرة من علماء المسلمين.
يقال لنا أن " داعش لا علاقة لها بالإسلام".
مجرد فحص سريع للتاريخ وأدبيات الإسلام والقرآن والحديث يمكنه بسهولة فضح زيف الادعاء المذكورة أعلاه والمنافي للعقل ويبين حقيقة لامجال فيها للشك أن داعش ليست مستوحاة فقط من المفهوم الإسلامي للخلافة ولكنها تأثرت أيظا بشكل كبير بفقيه إسلامي متطرف من القرن الثالث عشر هو الشيخ تقي بن تيمية كما تأثرت لاحقا بشيخ دين من القرن الثامن عشر هو محمد بن عبد الوهاب.
داعش أو أي جماعة إرهابية أخرى مثل تنظيم القاعدة لا يقاتلون بلا هوادة ضد الغرب بسبب زيادة "المظالم المشروعة للمسلمين نتيجة اخطاء السياسة الخارجية الأمريكية" كما يعتقد روبرت فيسك ونعوم تشومسكي و تحالف أوقفوا الحرب. إذا تم اعتبار المظالم والفظائع على أنها "أسباب منطقية" وراء هجمات داعش سيكون من المنطق إذا أن يسعى كل الهنود الذين يعيشون في بريطانيا للانتقام بسبب معاناة أجدادهم التي واجهوها أثناء الاستعمار البريطاني. وستنفذ بنجلادش هجمات ضد باكستان لأنها كانت تضطدها ذات يوم بلا رحمة، كما سينتقم اليهود من النمسا وألمانيا والمجر ورومانيا كون هذه الدول كانت من بين الجناة الرئيسيون للمحرقة. وسوف تهاجم فيتنام الولايات المتحدة انتقاما للكارثة التي سببتها، وسترد اليابان ضد الولايات المتحدة عن المأساة الإنسانية الهائلة الناجمة عن تفجيرات هيروشيما، وستنتقم الصين من اليابان بسبب مذبحة نانجينغ المروعة التي ارتكبتها عام 1937.
انه من السخف أن يستخدم العديد من المعلقين في وسائل الإعلام الغربية نظريات "المظالم" و "السياسة الخارجية" هذه لتعريف وتوضيح داعش فذلك يعتبر في نهاية المطاف بمثابة ذر الرماد في العيون ويتسبب في مزيد من الحيرة والتشويش حيالهم.
الحقيقة هي أن داعش قد حصلت على الأقل على شيء لفعله بالإسلام، والطريقة الوحيدة لمواجهتها هو التنصل لمفهوم الخلافة الإسلامية وانتقاده و القول أنه لا يوجد شيء إسلامي حول داعش يرقى إلى اتخاذ نهج التهاون حياله. مفهوم النبوة والخلافة هو العنصر الأساسي في أيديولوجية داعش ولم تأتيها من كتب ريتشارد دوكينز أو كريستوفر هيتشنز، فهي تنطلق وفق الأحاديث الإسلامية للنبي محمد. حتى طريقة عمل داعش مثل التحويلات ودفع الضرائب، أو الموت تنبع أيضا من ثقافة الحديث النبوى.
الإنكار القطعي لهذا على الرغم من ثقافة الخلافة الغير قابلة للجدال في الأحاديث، هو منتهى الجهل الذي يؤول في النهاية لالتماس العذر ومن ثم تسهيل الإسلام المتطرف. وذلك لأن هذا الإنكار يعطي مصداقية للنظرية الخادعة الغير منطقية المذكورة آنفا عن "المظالم المشروعة" والتي تحول دون الإنتباه المطلوب تجاه البربرية الإسلامية التوسعية لداعش وترسم بشكل غير مباشر صورة ودية لهؤلاء المتوحشين وتقدم حل واحد فقط هو أن "الغرب هم الشر والمسؤولون عن الإرهاب بسبب سياساتهم الخارجية ".
ليس هناك اي شك في فكرة أن غالبية المسلمين سلميون ويعارضون داعش بشدة. ولكن للأسف، فقد كانوا غافلون جدا حيال النصوص العدوانية والبغيضة في القرآن وأحاديث النبي محمد.
وهذا مرده، كما تقول فاطمة إمرا، لكون المسلمين الغير ناطقين باللغة العربية يقومون بتلاوة القرآن الكريم باللغة العربية دون فهم الآيات العنيفة، وعندما يسمعونها في لغتهم الأم، يقال أن غالبية المسلمين غير مرتاحون للرسالة حتى أنهم يميلون إلى إما إلقاء اللوم على ترجمة خاطئة أو تفسير ذلك وفقا لمبادئهم الأخلاقية.
" الأقلية من المسلمين تتعامل مع القرآن كسلطة روحية مطلقة ويؤمنون بالتصرف بناء على التفسير الحرفي لهذه المقاطع القرآنية العنيفة والبغيضة. وكما رأينا في حالة داعش، فإن أقلية خطيرة مثلها هي كل ما يلزم لخلق الفوضى وتدمير مجتمعات بأكملها ".
كلما واجهت المسلمين بفكرة الربط بين داعش والإسلام، فإنهم عادة ما يردون بآية من القرآن تنص على أن الإسلام يحرم قتل الأبرياء. ولكن هذه الآية لديها ثغرة واضحة تسمح بأن يتم التلاعب بها بسهولة عن طريق داعش والمتطرفين الإسلاميين لتبرير الهجمات الإرهابية.
للأسف، فإن انتقاد الإسلام ليس مقبولا في العالم الإسلامي ولا حتى في الغرب، حيث يصف المسلمين المعتدلين منتقدي الإسلام بالإسلامفوبيين وينعتهم اليساريين الغربيين بالإلحاد في حين يتهمهم الليبراليين بالعنصرية.
هناك سبب آخر يفسر لماذا تعمل دعاية داعش بشكل فعال في تجنيد كثير من المسلمين في الغرب، ذلك أن معظم المسلمين لم يقوموا بالإدانة والإستنكار بنفس الحماس والكثافة التي يدينون بها إسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضية فلسطين. في عام 2014، خرج الملايين من المسلمين في شوارع لندن ونيويورك وباريس وشيكاغو وغيرها من المدن ضد الأفعال الإسرائيلية في غزة، وامتلأت وسائل الاعلام الاجتماعي الى حد كبير بالغضب والصخب ضد الصهيونية وإسرائيل. لقد احتجوا بحماسة خارج السفارات الإسرائيلية عندما هوجمت غزة، فلماذا لم يقم المسلمين في الغرب بنفس المبادرة لإدانة داعش الهمجية وتوبيخ سفارات السعودية وقطر (الذين مولوا داعش) بشكل جلي؟
لماذا لا نرى أبدا أي مظاهرات كبيرة ضد داعش تذكرنا بالاحتجاجات ضد إسرائيل؟
لماذا لا نرى أي حملات مماثلة لحركة BDS ضد قطر والسعودية لزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي عليها للتخلي عن دعمها للتطرف الإسلامي؟
ما لم يعترف المسلمون بعناصر العنف في ثقافتهم الإسلامية ويعيدون إصلاحها وفقا لقواعد القرن الواحد والعشرين، فإن جماعات مثل داعش مع فكرتها في إحياء الخلافة ستستمر في الصعود، وستواصل الهجوم لتحقيق المهمة التي حددها الرئيس السابق لتنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، في أجندته المكونه من 7 نقاط والمستوحاه بشكل كبير من مفهوم الخلافة في الاسلام.
من المهم أن نفهم أن الإرهاب الإسلامي هو ظاهرة أيديولوجية وهذا هو السبب في كون العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب مثل هجمات الطائرات بدون طيار، وبعثات الاستطلاع والعمليات القتالية الأخرى ليست سوى حلول قصيرة الأمد وغالبا ماينتج عنها القضاء على كبار الأعداء من مخططين وقادة عمليات وموجهين فكريين ومن يقومون بالتجنيد. ولكن عمليات كهذة لا تهاجم وتشجب الأيديولوجية التي تتبناها هذه الجماعات لأن قتل ارهابي واحد يؤدي إلى ظهور الكثير غيره.
نحن لا نقاتل أشخاص متأثرون بالقومية، حيث يكون تحقيق السلام مرة واحدة كفيلا بحل القضايا الإقليمية، ولا نقاتل ضد حفنة من الطائشين والبلطجية. نحن نقاتل ضد أولئك الذين يميلون فكريا إلى إقامة خلافتهم الإسلامية وشريعتهم المتزمتة في جميع أنحاء العالم عن طريق تدابير عنيفة.
* روي عباس، محاسب مالي محترف، ومحلل استقصائي في مجال مكافحة الإرهاب. يكتب عن السياسة والدين والإرهاب. يعيش ويعمل في مانشستر، بريطانيا.
http://m.huffpost.com/us/entry/8608048
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق