الخميس، 26 نوفمبر 2015

روسيا وتركيا وحرب عالمية جديدة

ليام دينينغ
وكالة بلومبيرج - نيويورك
الثلاثاء 24 نوفمبر 2015

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

حادث إسقاط تركيا للطائرة الروسية كان لابد له من حقن بعض الحيوية في أسعار النفط الفاترة بطريقة ما. التأثير الحقيقي في الواقع قد يمتد إلى سوق آخر مهم للطاقة وهو سوق الغاز الطبيعي.

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحادث بأنه "طعنة في الظهر"، وهي عبارة ذات دلالات وخيمة لا سيما في أوروبا. وهذا يمثل تصعيد جديد وخطير في الصراع السوري، و سببا يفسر ارتفاع خام برنت بزيادة دولار في سعر البرميل يوم الثلاثاء. وحتى الآن، فإن الطريق إلى صراع أوسع، قد يؤدي إلى قطع قدرا كبيرا من إمدادات النفط من السوق، لايزال غير واضحا. إن أي دولار إضافي في الأسعار يمثل خوفا غامضا أكثر منه خوفا واضحا.

العواقب في سوق الغاز هي أيظا بالكاد يمكن رسمها بسهولة، لكنها على الأقل تبدو أكثر ارتكازا على العرض والطلب الفعلي.

تركيا هي ثاني أكبر سوق لصادرات الغاز الروسي بعد ألمانيا. فقد تضاعفت تقريبا مبيعات شركة جازبروم الروسية الى تركيا في العقد الماضي لتغطي الآن 57% من احتياجات البلاد، في حين تمثل هذه الصادرات 17% من مبيعات الشركة للغاز خارج الحدود السابقة للاتحاد السوفياتي. وتماما كما كانت عليه منذ قرون، لاتزال تركيا نقطة عبور هامة بين آسيا وأوروبا، وذلك يشمل خطوط أنابيب الغاز سواء الحقيقية أو المشكوك فيها.

ومؤخرا، في ديسمبر الماضي، قلصت روسيا بشكل حاد خطط إنشاء خط الأنابيب المقترح المسمى "ساوث ستريم" والذي كان سينقل الغاز عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومن ثم إلى النمسا لصالح شركة "تركش ستريم" التركية. مسألة إيجاد طريق بديل للغاز الروسي، والتي طالما شكلت هاجسا للكرملين، أضحت مطلبا ملحا إضافيا في أعقاب أزمة أوكرانيا. المرحلة الأولى من المشروع ، وهي المرحلة التي يبدو غالبا أنه سيتم بناءها، ستستبدل بشكل مباشر الكمية التي تذهب حاليا عبر أوكرانيا.

تصاعد التوتر حول سوريا الآن يهدد تلك الإلتزامات، مع احتمالية عواقب بعيدة المدى تشمل نطاق واسع من سوق الغاز.

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب السنوي للغاز في تركيا بنحو الثلث في العقد المقبل ليصل إلى 2.3 تريليون قدم مكعب وفقا لدراسة نشرها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة العام الماضي. إلى جانب روسيا، تظهر أذربيجان كمصدر معقول لهذا الغاز الإضافي وقد بدأ العمل بالفعل على خط أنابيب جديد لتوسيع نسبة الواردات من هناك. ويشير إدوارد تشو من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن هذا الخيار يحمل في طياته أيظا إمكانية تنويع مصادر الغاز في تركيا علاوة على استيعاب الغاز القادم من إيران وشمال العراق.

وهذا يتعارض مع جهود روسيا الرامية إلى إعاقة وصول الغاز المنافس من الموردين الآسيويين مثل تركمانستان إلى أسواق التصدير الأوروبية الحاسمة التي تسيطر عليها شركة جازبروم الروسية. وبحسب ما ورد في مقال حول الشؤون الخارجية نشر مؤخرا بواسطة البروفيسور ميتشل أورنشتاين وجورج رومر من جامعة ولاية بنسلفلنيا، فإن إحدى الأفكار المطروحة بقوة تفيد في الواقع بأن الوجود الروسي في روسيا يهدف، نوعا ما، إلى منع أي خطط لإنشاء خطوط أنابيب لنقل الغاز من دول الشرق الأوسط مثل قطر إلى أوروبا عبر تركيا.

وتتعرض روسيا لضغوط حقيقية في سوق الطاقة العالمي، حيث أنشأت أوروبا الغربية محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال وعززت من فعالية دورها كزبون مهم في الضغط مرة أخرى على قوة شركة جازبروم في السوق. وفي نفس الوقت تلعب الصين بخشونة للإستحواذ على صادرات الغاز الروسي، لاسيما مع تخمة إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي تلوح في الأفق في آسيا.

وفي مجال النفط، انتقد المسؤولون الروس المملكة العربية السعودية للدفع بأسعار النفط. وبطبيعة الحال، فإن تراجع أسعار الطاقة قد دفع روسيا إلى الركود وأعاد ذكريات غير مريحة عن الانهيار الإقتصادي الذي حدث قبل ثلاثة عقود وتسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو الحدث الذي وصفه بوتين بأنه أكبر كارثة في القرن الماضي.

يمكن استنباط شيئين من كل هذا. أولا، أن سورية قد تمثل جبهة واحدة فقط من جبهات الصراع العديدة للبلدان التي تعتمد على مواردها الطبيعية مثل روسيا في سبيل الحفاظ على مكانتها في أسواق النفط والغاز والتي بدت فجأة أكثر تنافسية بالفعل مما كانت عليه قبل بضع سنوات بعد دخول موردين جديد إلى الساحة. و هذا يشكل، بالإضافة إلى مشكلة الحدود التركية، دراما جيوسياسية مركزية تنعكس على سوق الطاقة.

ثانيا، حاجة تركيا لتحقيق التوازن بين الاعتماد على الغاز الروسي مع تدهور العلاقات الدبلوماسية يمثل تذكير آخر على أهمية تنويع خيارات العرض والإستيراد.

ينبغي أن يكون هذا موضع ترحيب من قبل القطاع العالمي لصناعة الغاز الطبيعي المسال الذي يتجه بقوة نحو ركود مؤلم. تركيا، كما هو حال معظم أوروبا، لا تستفيد بشكل كامل من طاقتها الإستيعابية الحالية فيما يتعلق بواردات الغاز الطبيعي المسال حيث استخدمت  أقل من 60% في العام الماضي وهو ما يمكن أين يقف حائلا دون استيراد المزيد أو حتى بناء محطات جديدة. وفي نفس الوقت، هناك محفز إضافي لتطوير احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط، مثل حقل ليفياثان نوبل للطاقة بين قبرص وإسرائيل.

حتى إذا كانت الأسعار المنخفضة قد تجعل مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة غير اقتصادية، فإن أهمية  وقيمة تأمين الإمدادات أصبحت واقعا يتنامى. واقع الحرب يقول أن الأمر قد ينتهي بك لعقد صفقات مع أبعد الشركاء احتمالا.

http://www.bloomberg.com/gadfly/articles/2015-11-24/russia-turkey-tensions-hit-the-natural-gas-market

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق