* روبرت ماغا وناثان طومسون
قلوبال بوست - بوسطن
الجمعة 27 نوفمبر 2015
ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب
اليمن هي سوريا الجديدة، حيث اندلعت الحرب الأهلية هناك في وقت مبكر من هذا العام بين فصيلين يدعي كل منهما أنه يمثل الحكومة الشرعية. وما يزيد الطين بلة ارتفاع نشاط فرعي تنظيم القاعدة في اليمن وما يسمى بالدولة الإسلامية بالإضافة إلى كونهما يسيطران الآن على مساحات واسعة من الأراضي اليمنية. ولقد أصبحت الغارات الجوية روتين يومي وصارت المدن التاريخية في البلد كومة من الحطام.
إن الخسائر البشرية للنزاع المسلح في اليمن صادمة، حيث خلفت المعارك ما لا يقل عن 2577 قتيل وأكثر من 5078 جريح في صفوف المدنيين العزل. وقد بلغت نسبة القتلى المدنيين 86% من إجمالي الوفيات في النصف الأول فقط من 2015، بالإضافة إلى 1.5 مليون شخص نزحوا داخل البلد وغيرهم الآلاف ممن يسعون إلى اللجوء في جيبوتي وعمان والصومال. وتقدر الأمم المتحدة أن 13 مليون شخص على الأقل لا يمكنهم الحصول على مياه نظيفة.
وتعتبر اليمن مفتاحا رئيسيا لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وقناة هامة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى القرن الأفريقي. والكثير من البلدان بما فيها البرازيل تدين العنف المتصاعد هناك. وقد حثت الحكومة البرازيلية مؤخرا على الحوار لحل الأزمة، كما كانت قد وقعت في وقت سابق العديد من الاتفاقيات مع اليمن من أجل تعزيز الأمن الغذائي والتنمية الزراعية والبرامج الدراسية.
لكن الذي يبقي على استمرار الوضع الدموي في اليمن هو التدفق الغزير للأسلحة من قبل قوى أجنبية.
إن الأزمة في اليمن أكبر بكثير من مجرد السيطرة على العاصمة صنعاء. وقع هذا البلد المحاصر في أتون حرب واسعة بالوكالة يتصارع فيها التحالف الذي تقوده السعودية بمساندة أمريكية والذي يدعم الآن الرئيس المخلوع هادي، ضد ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران والتي تسيطر الآن على الحكومة في صنعاء.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والسعودية وإيران وشركائهم ليسوا الموردين الوحيدين للأسلحة والقذائف. فالبرازيل، وهي دولة لا يرتبط اسمها عادة بالتدخل في الشرق الأوسط، متورطة أيضا بشكل غير مباشر حيث ظهرت على الأرض مؤخرا العديد من القنابل العنقودية والقذائف التي لم تنفجر من إنتاج شركة "أفيبراس" البرازيلية لتصنيع الأسلحة، ويبدو أن ملكيتها تعود للتحالف الذي تقوده السعودية.
ووفقا لمنظمة أريس، وهي منظمة بحثية متخصصة في شؤون التسليح، فقد تم توثيق استخدام أسلحة برازيلية مؤخرا في اليمن، وهذه الأسلحة هي صواريخ SS-6 و MK4، وهي نوع من القنابل العنقودية يتم إطلاقها من نظام "أستروس" متعدد الصواريخ. ويحتوي كل صاروخ على العديد من القذائف الصغيرة المعروفة باسم "سبميونيشنز" والتي تتناثر على طول المنطقة المستهدفة بغرض انفجارها عند الاحتكاك أو التلامس.
ولأن مثل هذه الذخائر تكون عشوائية ولا يحدث دائما أن تنفجر بعد ضربها، فإنها تشكل تهديدا مستمرا للمدنيين. وهذا هو السبب وراء حظر استخدام القنابل العنقودية في عشرات الدول. وقد علقت حوالي 100 دولة عمليات تصنيع وتخزين واستخدام هذا النوع من القنابل، غير أن البرازيل والسعودية والولايات المتحدة، بالإضافة لدول أخرى، لم تفعل ذلك.
تدّعي شركة أفيبراس أن القذائف الصغيرة من المفترض أن تدمر نفسها ذاتيا بعد وقت قصير من ضربها إذا لم يعمل "الصاعق". ومع ذلك، تكشف آخر الأدلة المصورة أن العديد من القذائف الصغيرة لم تعمل بشكل صحيح خلال الهجمات في اليمن. وقد أفادت تقارير أن قوات التحالف السعودي استخدمت صواريخ برازيلية الصنع يوم 27 أكتوبر.
هذه المرة ليست هي الأولى التي تبيع فيها الشركة البرازيلية الأسلحة إلى دول تملك سجلات مراوغة في حقوق الإنسان، حيث باعت أفيبراس عدد 36 من قاذفات الصواريخ هذه نفسها لإندونيسيا في عام 2012. وقد بلغت تكلفة الأسلحة التي تم تسليمها في عام 2014 أكثر من 400 مليون دولار. وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية التي طال أمدها في البرازيل قد أثرت على قطاع الدفاع، إلا أن شركة أفيبراس سجلت العام الماضي أرباحا تفوق الـ 25 مليون دولار. وتتوقع الشركة أن تتجاوز مبيعاتها 250 مليون دولار في العام 2015، منها ما نسبته 80 بالمئة عمليات تصدير أسلحة على المستوى الدولي.
وبالكاد تعتبر البرازيل وافداً جديداً إلى سوق الأسلحة العالمي. حيث وقع البلد صفقات أسلحة خطيرة مع السعودية وإيران وليبيا وعشرات من الدول في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا منذ ثمانينات القرن العشرين. ولم تلق الانتقادات المحلية للدعم الحكومي والتسهيلات الضريبية المحفزة لإنتاج القنابل العنقودية آذانا صاغية. فقد تدخلت وزارة الدفاع البرازيلية بقوة في بعض الحالات للحيلولة دون اختفاء شركات مثل أفيبراس مع عدم اهتمامها بمعرفة إلى أين قد تصل تلك الأسلحة. إن هذا الأمر لابد أن تغيير.
تعتبر البرازيل الآن ثاني أكبر منتجي الأسلحة الخفيفة والقذائف في نصف الكرة الغربي وتحتل المرتبة الرابعة في العالم. وتدرس شركة أفيبراس حاليا صفقات أسلحة مع المملكة العربية السعودية وقطر تبلغ قيمتها أكثر من ملياري دولار كما تقوم العديد من الشركات الأخرى بتجارة رائجة في الخارج. وتفخر البرازيل حتى الآن بقدرتها على تعزيز السلام والأمن والمحافظة على أعلى معايير حقوق الإنسان. ولكن من الصعوبة بمكان الاحتفاظ بهذا التناقض.
الأمر الإيجابي هو أن البرازيل كانت واحدة من أوائل الدول التي وقعت على معاهدة تجارة الأسلحة الدولية عام 2013. وتحظر هذه المعاهدة على الدول توريد أو نقل الأسلحة التقليدية إلى البلدان التي يمكن أن تستخدمها لارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كما يجب على الدول أيضا تحليل المخاطر المترتبة على عمليات نقل الأسلحة المتسببة في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني والعنف ضد الأطفال، كما هو الحال في اليمن.
البرازيل بالتأكيد ستتحدث عندما يتعلق الأمر بالمعاهدة، حيث يؤكد دبلوماسيوها أن "البرازيل تفضل أن يكون هناك قانون دولي ملزم يضبط التجارة المشروعة للأسلحة التقليدية والأسلحة الصغيرة والخفيفة وذخائرها" وتحث الدول للاحتفاظ فقط بالحد اللازم من الأسلحة لأغراض "الدفاع عن النفس على المستويين الفردي أو الجماعي". وهذا تطور مرحب به نظرا لكون سياسات التصدير الحالية في البلد غير شفافة ويعود تاريخها إلى زمن الدكتاتورية العسكرية.
للأسف، فإن البرازيل لا تمشي قدما في هذا الطريق، فهي لم توقع حتى الآن على معاهدة حظر القنابل العنقودية. وهناك ما هو أكثر من ذلك، إذ لم يتم حتى الآن التصديق على معاهدة تجارة الأسلحة الدولية ولا تزال قابعة في أدراج مجلس النواب. إن إمكانية تصديق البلد على معاهدة تجارة الأسلحة في وقت قريب تبدو ضعيفة. وإلى أن يتم ذلك، ستظل قاذفات الصواريخ البرازيلية الصنع والأسلحة الصغيرة والقذائف تعيث فسادا في الحروب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اليمن.
* روبرت ماغا، مدير الأبحاث في معهد إيجارابي في ريو دي جانيرو بالبرازيل، ومدير السياسات والبحوث في مؤسسة سيكديف، وعضو مجلس برنامج عمل المنتدى الاقتصادي العالمي حول الهشاشة والصراع والعنف.
* ناثان طومسون، باحث في معهد إيجارابي.
http://www.globalpost.com/article/6694801/2015/11/26/brazilian-made-weapons-fuel-war-yemen
-----------------
للاشتراك في قناة ترجمات عبر تيليقرام:
http://telegram.me/tarjamat
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق